ارتياح شامل لخطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ومن النوادر ان يتوحد السياسيون واللبنانيون حول موقف، كما توحدوا حول خطاب السيد، حتى الذين يعارضون الحزب لم يتجاهلوا النقاط الايجابية في خطابه وحرصه على البلد، باستثناء البعض القليل الذين لا يرى الامور الا بعين واحدة وضيقة، والخشية من ان تؤدي احداث غزة الى موازين قوى داخلية لصالح محور المقاومة تحسم الرئاسة لصالح سليمان فرنجية، هذا الامر يشكل قلقا فعليا للبعض، رغم ان ما يجري من تطورات عسكرية لا يمكن وضعها الا في خانة الاحداث التاريخية والاستثنائية التي تلفح الكرة الارضية من مشرقها الى مغربها كل ١٠٠ سنة واكثر، و قد تتدحرج الى حرب عالمية ثالثة ترسم خرائط جديدة للمنطقة والعالم، وتكمن المشكلة، حسب المتابعين للتطورات الاخيرة، وجود قوى سياسية معينة تعتبر ان الكون “خاتما باصبعها”، وكل حركة بايدن في الشرق الاوسط تنطلق من مصالح لبنانية وملف رئاسة الجمهورية، وكأن هذا القوى لا يمكن الاستغناء عنها لصالح “العالم الحر” التي تمثله الولايات المتحدة.
من هذا المنطلق، وحسب المتابعين للتطورات في غزة، ان الولايات المتحدة مع الدائرين في سياساتها بالمنطقة، من دول وقوى سياسية يمثلون “العالم الجديد والحر” كما يدعون، مصرون على القضاء على حماس وكل حركات المقاومة، ويعتبرون ان الفرصة الحالية لن تتكرر، ويجب تنفيذ المخطط المطروح منذ هزيمة حزيران ١٩٦٧ القائم على تهجير اهل القطاع، وربط ايلات بغزة عبر طريق بحرية.
وحسب المتابعين فان معظم الدول العربية لا تستطيع تحمل نتائج انتصار حماس على اوضاعها الداخلية، لان انتصارها يشكل زلزالا على دولهم في الشرق الاوسط والعالم كله. والسؤال المطروح هل تستطيع دول المنطقة تحمّل نتائج انتصار حركة تحرر وطني، وما تمثله من افكار وثقافة دينية على مستقبل هذه الدول، وتحديدا مصر والاردن ودول الخليج، في ظل قوة الحركات الاسلامية داخل هذه الدول؟
حسب المعلومات المتداولة في بيروت، ان الرياض احتجت بشدة على قصف الحوثيين على ايلات، واعتبرته خرقا لوقف النار في اليمن، وتدخلا من الحوثيين في ملفات المنطقة وشؤونها، وهذا سيؤثر على استقرار الخليج، كما قدمت الامارات والاردن احتجاجات مماثلة وبنبرة حادة. ولذلك لا مصلحة لمعظم الدول العربية في انتصار حماس، وكان التوافق شاملا في عمان على ضرورة الاسراع في العملية البرية، فقرار الحرب ” اميركي الهوى”، حتى رئيس الاركان “الاسرائيلي” قال لوزير الخارجية الاميركي ” لو اعتمدنا خطة جنرالاتكم في الحرب لكانت اعداد القتلى من المدنيين في غزة مضاعفة”.
هذا النهج الاميركي – “الاسرائيلي” لا يمكن ان يمر لدى محور المقاومة مرور الكرام، والسيد نصرالله اكد ان تدحرج الامور في الجنوب مرتبط بالتطورات في غزة، وهذا ما يؤكد ان العدوانية الاميركية – “الاسرائيلية” ستأخذ المنطقة الى الحرب الشاملة، هذه الحرب حتمية اذا لم تتراجع اميركا التي اعطت فرصة جديدة “لاسرائيل” للدخول بريا، والوصول الى الاسرى وتحريرهم بالقوة . هذا الجنون يفتح المنطقة على تقدم المسارات العسكرية .
وحسب المتابعين، هذا النهج الاميركي يقابله تواطؤ عربي يشكل الغطاء لاستمرار “اسرائيل” في حرب الابادة، ورفض وقف اطلاق النار واطالة امد الحرب الاميركية، مستفيدين ايضا من ضعف التحركات الشعبية العربية حتى الآن، فيما لبنان تلقى التهديدات المباشرة من وزيري الخارجية والدفاع الفرنسيين، وانه لن يسلم من تداعيات احداث المنطقة، هذا ما عادت ونقلته مساعدة وزير الخارجية الاميركي باربرا ليف لميقاتي، الذي قام بالجولة العربية والتقى بلينكن ورؤساء عرب لمعرفة ما يجري وفعل اي شيء، وما يمكن تفاديه.
لكن القلق الاميركي والغربي والعربي حسب المتابعين لاحداث غزة، مرده الى الخوف من تعثر العملية العسكرية وصمود غزة، ودحر “الجيش الاسرائيلي” على ابواب الانفاق. فكيف يمكن هزيمة ٣٥ الف مقاتل من القسام ومثلهم من الجهاد وفتح، والجبهتين الشعبية والديموقراطية، وجبهة النضال، والاسلاميين وغيرهم، هؤلاء جميعا استشهاديون ومدربون على حروب العصابات والانفاق والكمائن والتخفي، والضرب عبر ” وخزات الابر المتواصلة”، كما حدث في جنوب لبنان.
المقاومون مستعدون للقتال لسنوات، واغراق العدو بحروب استنزاف طويلة وانزال خسائر يومية في صفوفه، ومقاتلو القسام والجهاد وكل الفصائل لن يخرجوا من غزة كما خرج مقاتلو منظمة التحرير من بيروت عام ١٩٨٢، لان من يقود المواجهات في غزة “لا يساومون ولا يبيعون ويشترون على دماء الشهداء، ولا خيار امامهم الا القتال والنصر، اما الذين يتحدثون عن الخسائر والدمار، فمتى تحررت الشعوب من دون دماء ودموع من روسيا الى الصين وفيتنام وكوبا والجزائر وايران والعراق واليمن وسوريا ولبنان، وغيرها من دول العالم ؟ والنصر صبر ساعة.
من هنا، فان الحرب الحالية ستنتهي حتما بـ “غالب ومغلوب”، ولا مجال للتسويات وانصاف الحلول، والحسم الحقيقي يحتاج لنفس طويل وجولات وتضحيات بالاضافة الى قيادة حكيمة، كقيادة محور المقاومة التي تعرف كيف تقود السفينة الى بر الامان والنصر الاكيد.