Site icon IMLebanon

خطاب نصر الله: طوفان الأقصى فلسطيني مئة بالمئة

 

 

في كلمته التي طال انتظارها لقرابة الشهر منذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023، والتي وصفها بالعملية الجهادية العظيمة الكبرى خلال الاحتفال التكريمي للشهداء الذين ارتقوا على طريق القدس، قال السيد نصر الله: «كان لا بدّ من حدثٍ كبير يهزّ هذا الكيان الغاصب المستبد المُستعلي، ويهزّ داعميه المستكبرين ‏وخصوصاً في واشنطن ولندن، ويفتح كل هذه الملفات الإنسانية أمام العالم، ويعيد طرح قضية ‏فلسطين المحتلة، وشعبها المظلوم المحاصر، ومقدساتها المهدّدة، يعيد طرحها من جديد كقضية أولى في ‏العالم».‏ وقد حدّد السيد نصر الله خلفية ما وصلت إليه الأمور في السنوات الأخيرة القاسية والضاغطة على الشعب الفلسطيني، وما حصل في عملية طوفان الأقصى بالعناوين التالية:

• المعاناة المستمرة تحت وطأة الإحتلال الإسرائيلي وآلام الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 75 عاماً.

 

• ملف آلاف الأسرى من الرجال والنساء ‏والأطفال الفلسطينيين.

• ملف القدس وما تعرّض له المسجد الأقصى في الأشهر الأخيرة.

• ملف الحصار على قطاع غزة‏ لقرابة العقدين من الزمن.

• ملف المخاطر الجديدة على الضفة الغربية من خلال مشاريع الاستيطان وأعمال القتل والاعتقال ‏وهدم البيوت.‏

لا شك أن العمل المقاوم في مواجهة الاحتلال لا تعوزه المبررات، ولا تحدّه قوة العدو وغطرسته مهما بلغت، وهو رهن بالحكمة والرؤية الاستراتيجية التي ينبغي أن تعتمرها حركات المقاومة والتحرير، وقبل ذلك الأفق السياسي والإنساني الذي يجب أن تلبسه أولاً، حيث لا تعلو مصلحة السياسي والحركي على مصلحة الشعب والإنسان الصامد والمكافح في أرضه ووطنه، ولا يَسحق سراب الأفق البعيد ومصالح الأمم حاضر الأجيال من الرجال والنساء والأطفال، كما هو يُسحق اليوم في أرض غزة الأبيّة وفلسطين الحبيبة. ولكن أولى علامات الإستفهام الكبرى حول ما جاء في خطاب السيد نصر الله هي في اعتباره عملية طوفان الأقصى فلسطينية مئة بالمئة؟ فقد أكّد السيد أن عملية طوفان الأقصى كان قرارها فلسطينياً مئة بالمئة، وكان ‏تنفيذها فلسطينياً مئة بالمئة، وأن أصحابها حافظوا على سريتها المطلقة لضمان نجاحها، ولم يخبروا بها حتى فصائل المقاومة في غزة، ‏ولا بقية دول وحركات محور المقاومة.

 

أراد السيد تحييد مسؤولية إيران عن طوفان الأقصى، وهو ذات موقف طهران الرسمي، وذات الموقف الأميركي المتماهي مع عدم تحميل إيران لمسؤولية مباشرة عن عملية الطوفان التي تحوّلت من طوفان الأقصى والأمة والشعارات الكبرى إلى طوفان غزة التي تتعرض اليوم إلى حرب إبادة جماعية أمام أنظار العالم المتآمر والمتواطئ والمتخاذل، وأصبحت غزة الإنسان الصامد والأسطوري تستغيث بربها، ولا مغيث لها إلّا الله العليّ القدير. وهنا علامة استفهام جديدة: هل فعلاً أن القرار لدى حركات المقاومة هو لدى قياداتها دون وصاية عليها من قبل داعميها في إيران؟ يصعب الاعتقاد بذلك. وإذا كان ثمة هامش معين لحركة حماس في اتخاذ القرار وتوقيته في عملية طوفان الأقصى، فالمؤكد أن نسبة المئة بالمئة في القرار والتنفيذ الفلسطيني تبقى مبالغاً فيها بنسبة كبيرة طالما أنها منضوية في محور المقاومة، وأنها تعتمد على الدعم المالي والسياسي والعسكري، وعلى تضامن ومؤازرة باقي ساحات المحور الممتد من إيران والعراق واليمن إلى سوريا ولبنان وفلسطين. والسؤال الآن ماذا قدمت هذه الساحات لغاية الآن؟ وهل يتلاءم ذلك مع هذا الحدث الكبير الذي لا يمكن للكيان الصهيوني بحسب كلام السيد نصر الله تغيير نتائجه وتداعياته و‏آثاره الاستراتيجية والتاريخية على مستقبل الصراع في فلسطين؟

 

في البداية لا يجب أن نتفاجأ أو نستغرب من مسارعة الإدارة الأميركية لتقديم الحماية والمساندة لإسرائيل. فهذه مسألة بديهية ومعروفة وثابتة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي. ولذلك فحديث السيد نصر الله لا يكشف جديداً عن سرعة الأميركي في احتضان ‏إسرائيل ومساندتها ودعمها وإسنادها بالأساطيل الأميركية، وعن كشف ذلك لوهن وفشل وضعف هذا الكيان الذي يحتاج إلى كل هذا الدعم ‏الأميركي ومعه الدعم الغربي الأوروبي. ومع ذلك فهو يقول أن حماس والاخوة في غزة قد عملوا هذا الحساب، ولكن هذه الإنجازات والنتائج والتداعيات تستحق كل هذه التضحيات (لا نرجو أن تكون هذه التضحيات إبادة جماعية لأهل غزة، ونكبة ثانية، وتهجير قسري جديد إلى صحراء ما في سيناء حسب الطلب الإسرائيلي أو صحراء النقب حسب طلب الرئيس المصري السيسي وتصفية للقضية الفلسطينية بأي طريقة كانت).

المشهد الحالي في الحرب على مختلف الجبهات: السيد نصر الله يُحمّل أميركا مسؤولية الحرب الدائرة في غزة بالكامل ويعتبر إسرائيل مجرد ‏أدوات تنفيذية لها. ولذلك فهو يؤيد قرار المقاومة الإسلامية في العراق بمهاجمة القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا. ‏وكذلك يدعم قرار الأخوة في اليمن، وحركة أنصار الله، الذين قاموا بإرسال صواريخ ومسيرات إلى إيلات وجنوب فلسطين، ولو أنه قد تم إسقاطها. و‏في الجبهة اللبنانية، يقول السيد نصر الله أننا دخلنا المعركة من 8 ‏تشرين الأول، وبدأت العمليات في منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وبعدها ‏امتدت إلى كامل الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. وقد يبدو ما يجري على الحدود متواضعاً، ولكنه كبير جداً ومهم جداً ومؤثر جداً، وغير مسبوق منذ العام 1948، ولن يتم الإكتفاء ‏به على كل حال.‏ ويضيف أن الذين ‏يتحمّلون اليوم أعباء النزوح المؤقت، هم في موقع التضحية ‏في هذه المعركة التي تستحق هذا الموقف والأداء تضامناً مع غزة وشعبها ومقاومتها. ويبقى أمر هذه الجبهة مرهوناً بأحد أمرين: الأول: مسار وتطور الأحداث في غزة. والثاني: هو سلوك العدو الصهيوني تجاه لبنان. وتبقى كلّ الاحتمالات في الجبهة اللبنانية مفتوحة، وكلّ الخيارات مطروحة.‏

في اليوم الثلاثين لحرب الإبادة الجماعية في غزة، يقترب عدد الشهداء من عشرة آلاف شهيد، 70% منهم من النساء والأطفال، وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين، قصف المستشفيات وسيارات الإسعاف، وتدمير المدارس والمعابد والأبنية السكنية، وتعمّد قتل الإعلاميين والمدنيين والنازحين وملاحقتهم حيثما ذهبوا من شمال القطاع إلى جنوبه وصولاً إلى معبر رفح على الحدود المصرية. وفي المقابل يقرّ العدو الإسرائيلي بصعوبة الحرب وبمقتل وجرح المئات من قواته، ومنهم ثلاثين قتيلاً منذ بدء العملية البرية في غزة. وهو ما دفع بوزير التراث الإسرائيلي «عميحاي إلياهو» للتصريح بأن إلقاء قنبلة نووية على غزة هو حل ممكن، وأن قطاع غزة لا يجب أن يبقى على وجه الأرض، وعلى إسرائيل إعادة بناء المستوطنات فيه. وقد لاقى هذا التصريح موجة اعتراض كبيرة ورسمية في الداخل الإسرائيلي، حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» أن كلام إلياهو منفصل عن الواقع. وتحدث الإعلام الإسرائيلي عن إيقاف نتنياهو للوزير إلياهو عن المشاركة في الاجتماعات الحكومية حتى إشعار آخر. ومن جهته وصف زعيم المعارضة «يائير لبيد» تصريح إلياهو بأنه «صادم ومجنون لوزير غير مسؤول» طالباً إقالته بسبب إضراره بعائلات الأسرى والمجتمع الإسرائيلي ومكانة إسرائيل الدولية. وكذلك قال «يوآف غالانت» وزير الدفاع الإسرائيلي: «إن تصريحات الوزير إلياهو عديمة المسؤولية، ومن الجيد أنه ليس مكلفاً بأمن إسرائيل». ومهما حاول المجرمون الصهاينة إخفاء وحشيتهم وجرائمهم العنصرية وحرب الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، فإن فائض التاريخ والحق الفلسطيني سيداهمهم في أحلامهم وكوابيسهم، وستبقى لعنة التاريخ تلاحقهم حتى ينفذ أمر الله بالمجرمين والظالمين.