تضاربت التعليقات بشأن خطاب «المرشد الأعلى للجمهورية» المتلفز. محبّو صاحب السماحة أفرطوا في امتداح المعادلات الرادعة التي يبتكرها في المنازلات الكبرى، كمثل قتيل صهيوني مقابل كل مجاهد شهيد. قصف مستعمرة مقابل قصف قرية. عمود مقابل عمود. مدني مقابل مدني. موقع مقابل موقع. مضخة مقابل مضخة.
ومريدو «المرشد» من سياسيين يفهمون بالعسكر، ومن ضبّاط متقاعدين ينظّرون بكل شيء، ومن أمخاخ نشرت عصارتها علينا، ومن مطبّلين في أعراس الموت، أجمع جمعُهم المتنوّع على امتداح «إشغال» المقاومة الإسلامية لجيش العدو وتهجير ما يزيد على 50 ألفاً من أهل المستوطنات. أما تهجير الجنوبيين وترك أرزاقهم، وشلّ اقتصاد البلد حيث لا أشغال بعد الـ»إشغال»، فمسائل هامشية.
أما منتقدو «الخطاب « المفصلي، فوجدوه «مبهبطاً» و»مرتبكاً» ودون المقدمات والتحمئة الكلامية التي تولّاها مفوّهو «الحزب» منذ بداية «طوفان الأقصى»، ودون التوقّعات والطموحات.
لم أقرأ موقفاً «يعبّي الراس» ويحلل النبرة «الهادئة جداً» ويضيء على ما استعصى على كبار العباقرة ويشرّح «الإحتمالات» ويفكك «الشيفرات» ويحلّ «الألغاز». تحتاج مقاربة الخطاب الاستراتيجي إلى عقل استراتيجي. هذا العقل نادر الوجود. يقطن في خلدة. وتصل ذبذباته إلى ستوكهولم.
المير طلال استمع بكل حواسه. «صفن» في الوجود والعدم. فتح صفحته على «إكس». سجل للتاريخ كلمات تستحق أن تُحفط كإرث إنساني للأجيال المقبلة: «لم يكن خطاب السيّد نصرالله شعبوياً، بل مسؤولاً ومبدئياً، وفيه من العمق ما يكفي لتصل رسائله الى من يعنيهم الأمر، في أكثر من عاصمة، هو خطاب توجيه البوصلة وتكريس وجهة الصراع، وإراحة الرأي العام القلِق من دون طمأنة العدو الإسرائيلي».
لم نعرف من كلام عطوفة المير إلى من وجّه «المرشد» رسائله. ولا بأي اتجاه حرّك البوصلة وكيف أراح الرأي العام وكيف «بلبش» العدو. غامضاً جداً كان المير وبنّاءً في الوقت عينه. أجمل ما فيه هو هذا الغموض الذي يحثك على اكتشاف العسير في مفردات المير.
وما اكتشفه المير في الخطاب، وعجز عنه أساطين التغريد أنه «استراتيجي وشفاف بامتياز وهذا الذي تتطلبه المرحلة من دقة وواقعية…».
فقط العقل الاستراتيجي كالذي يميز المير من سائر الأمراء والبكوات، يمكنه محاكاة خطاب استراتيجي وشفاف. والآن يا مير صار دور صديقك الدكتور بشار الأسد ليخطب ويحدد مستقبل الأمة العربية والإسلامية لمئة سنة مقبلة.
يوم الخميس 12 تشرين الأول إتصل الرئيس السوري بالرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي وتبادلا وجهات النظر حول ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذا كل ما فعله. فما رأي العقل الاستراتيجي بالتلفون الاستراتيجي؟