إزاء «عدوان» الطائرتين الإسرائيليتين المسيّرتين على ضاحية بيروت الجنوبية فجر الأحد، خرج الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله على اللبنانيين، بخطاب ناريّ يحمل لهجة تهديدية لإسرائيل، ورسائل مُتعددّة الاتجاهات في توقيت دقيق وخطير.
ولا شكّ في أنّ ما حصل في الضاحية الجنوبية هو اعتداء سافر على سيادة لبنان وسلامة أراضيه، وفصل جديد من فصول الانتهاكات المستمرّة لقرار مجلس الأمن الرقم 1701، ودليل إضافي على نيّات العدو الصهيوني العدوانية تجاه لبنان، مع ذلك أثار خطاب السيّد نصر الله تساؤلات كثيرة حول كيفية الرد على العملية الإسرائيلية على «حزب الله» في سوريا، وسقوط طائرة استطلاع وانفجار أخرى في الضاحية الجنوبية.
كذلك أشعل الخطاب مخاوف اللبنانيين لجهة التفرّد بقرار السلم والحرب، مُعيداً إلى الأذهان مشهد حرب تموز 2006، في حين يرى اللبنانيون أنّ السيّد نصرالله غيّب الدولة اللبنانية في خطابه، وأنّ الدولة اللبنانية وحدها مخوّلة القيام بكل الخطوات الدبلوماسية والدفاعية اللازمة لحماية لبنان.
وقد تمحور خطاب السيّد نصر الله حول ركيزتين تحملان رسائل وجب الوقوف عندها وقراءتها بدقّة وتمعّن.
الركيزة الأولى تتعلّق بالرد على عمليّة لجيش العدو الإسرائيلي ليل يوم السبت استهدفت موقعاً لـ»حزب الله» في بلدة عقربة جنوب دمشق، ما أدّى إلى سقوط اثنين من عناصر الحزب. وقد يكون الردّ على العمليّة التي جرت في الأراضي السورية من خلال استهداف أهداف إسرائيلية، أو أي ردّ بنفس حجم الحادثة، وليس بالضرورة من خلال الإقدام على ضرب الشمال الإسرائيلي بالصواريخ.
أمّا الركيزة الثانية فتتعلّق بالرد على الطائرات المسيّرة، وإسقاطها منذ لحظة دخولها الأجواء اللبنانية، حتّى لا يُفتح مسار الطائرات المسيّرة على الساحة اللبنانية، كما يجري في العراق. وقد وضع السيّد الكرة في ملعب «المعنيين»، وعلى رأسهم الرئيس سعد الحريري حين قال: «إذا أحد في لبنان حريص على عدم حصول مشكل ليتحدّث مع الأمريكان كي يطلبوا من الإسرائيليين أن ينضبوا».
وقد أشار السيّد نصر الله الى أنّ الردّ على الخرق الإسرائيلي بالمسيّرات لن يكون عبر مزارع شبعا، على أساس أنّ الخرق الإسرائيلي كان لقواعد القرار 1701، ما يعني أنّه ليس هناك ما يمنع الرد عليه عبر خرق القرار نفسه في الأراضي الخاضعة لمراقبة قوّات «اليونفيل» أو الداخل الإسرائيلي، فارضاً بذلك معادلة دفاعية جديدة، لكنها لا تصل إلى درجة إشعال معركة مفتوحة مع الصهاينة، إنّما سيكون الردّ بمقدار الخطر الواقع.
وبالتالي، يريد «حزب الله» أنْ يرد على خطوة العدو الصهيوني بشكل يمنعه من تسجيل أي انتصار على صعيد توازن القوّة القائم، وهو ما يفسّر لهجة خطاب السيّد نصر الله، الذي يتوعّد فيه بردّ «حزب الله» على الاعتداءات الإسرائيلية بأعمال مماثلة خلال فترة وجيزة، ما يدفع جيش العدو إلى الاستنفار في حالة تأهّب، من دون إقدام «حزب الله»، بالضرورة على أي عمل إلى حين توفّر مقوّمات الزمان والمكان المناسبين لضمان نجاح العمليّة.
انطلاقاً ممّا سبق، يمكن الاستنتاج أنّ الرسالة الأساس في خطاب السيّد نصر الله هي تأكيد أن «حزب الله» لا يزال في موقع فرض المعادلات على الساحة اللبنانية والاقليمية رغم العقوبات الاقتصادية والحصار السياسي عليه، وأنّه مَنْ يختار المكان والزمان المناسبين للردّ على الاعتداءات الإسرائيلية، مع الحرص على عدم الدخول في مواجهة مفتوحة مع العدو، علماً بأنّ الكيان الصهيوني على أبواب انتخابات، وهو يتدارك أي فشل لرئيس وزرائه نتنياهو. أما تكرار سيناريو حرب 2006، فهو رهن رد «حزب الله» على الاعتداءات الصهيونيّة، والرد الصهيوني على الرد.
وبهذا يكون السيّد نصرالله قد حدّد دوراً جديداً لسلاح «المقاومة» من ضمن المعادلة الجديدة في الاستراتيجية الدفاعية لـ»العهد» من خلال باب التصدّي للمسيّرات الصهيونية في الأجواء اللبنانيّة.