Site icon IMLebanon

خطاب نصر الله يفاقم المخاوف من تعريض لبنان مجدّداً لصراع إقليمي – دولي

    التحذير الأميركي للأسد رسالة لمنع طهران من استثمار هزيمة داعش في العراق

    ذعر إيراني من معلومات عن اتفاق أميركي – روسي وسعي ميداني لحرق الخطة أو إفراغها من المضمون

المتابعون لإستراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيال الشرق الأوسط منذ أن كان مرشحاً يدركون أن شيئاً من هذه الإستراتيجية لم يتبدل، لا بل أن انعقاد القمة الأميركية- العربية – الإسلامية في الرياض هو إيذان بأن الخطة جرى الاتفاق عليها، وليس عدم الإعلان عنها مؤشراً على عدم تبلور معالمها أو وجود إرباكات ما في شأنها.

ويعزو هؤلاء سبب تأخّر إعلان الإستراتيجية إلى انتظار تبيان حدود التوافقات الأميركية- الروسية حول المنطقة، وهو ما يفترض أن يظهر في صورته المبدئية خلال لقاء ترامب المرتقب ونظيره الروسي على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ الألمانية المزمع عقدها الأسبوع المقبل في السابع والثامن من تموز، ويمكن تالياً مراقبة كيف ستسير الأمور.

ليس العقدة لدى موسكو، في رأي المتابعين لسياسة ترامب، بل هي لدى إيران التي تعلم أن اتفاقاً أميركياً- روسياً سيكون على حسابها في نهاية المطاف. فالأولوية التي حددها الرئيس الأميركي تركز على لجم تمدد إيران وأذرعها العسكرية من الميليشيات المنتشرة في المنطقة، وهو هدف تعلمه موسكو جيداً وتعلم أنه ليس محصوراً بواشنطن وإنما يشمل دولاً خليجية وإسلامية رئيسية بانت توجهاتها في قمم الرياض الثلاث، وليس من مصلحة بوتين أن يكون في مواجهتها وحصر نفسه بخط الممانعة الذي تجسده عملياً إيران وميليشياتها وحليفها النظام السوري.

فموسكو على يقين بأن الإدارة الأميركية لا تريد ضرب مصالحها أو دورها في سوريا، وأن التفاوض يدور حول حجم هذا الدور وحدوده، والمساحة المفتوحة لها للإنخراط في مشاريع استثمارية في دول المنطقة، والمسار الذي ستسلكه العقوبات الاقتصادية على خلفية الأزمة الأوكرانية والآليات التي ستحكم العلاقة مع جيرانها الغربيِّين.

والتوصل إلى الاتفاق الأميركي- الروسي يعني رسم مسار التسويات المطلوبة في المنطقة، وفي مقدمها الأزمة السورية التي تحولت بقوة إلى ساحة تحسين كل طرف لأوراقه، ولاسيما الطرف الإيراني الذي يواجه ضغوطاً خارجية وداخلية، ويسعى إلى احتواء الهجمة عليه وعلى أبرز أذرعه العسكرية المتمثلة بـ«حزب الله». وهذا ما يفسر احتدام المعارك حول المثلث السوري- الأردني- العراقي، الذي تستميت طهران من أجل تأمين جسر تواصل بري بينها وبين بيروت عبر العراق وسوريا، فيما ترتكز سياسة واشنطن على قطع هذا الجسر، بما يؤدي إلى بداية عزلها في سوريا وإضعاف نفوذها ونفوذ ميليشياتها وقطع الإمداد البري لـ«حزب الله».

تلك المهمة لن تكون متوفرة من دون انخراط موسكو بالحل ومن دون أن تقوم بدورها في تقليم أظافر حليفتها طهران، ما يجعل المراقبين الجزم بأن المهمة ليست سهلة، نظراً إلى اقتناعهم بأن طهران وأذرعها ستجهد في الفترة الفاصلة عن التوصل إلى الاتفاق المنشود إلى الضغط عسكرياً على الساحة السورية من أجل تعزيز موقعها، والى العمل على حرق الخطة الأميركية وإفشال إمكانات اتفاق ترامب- بوتين أو الدفع في اتجاه تفريغ هذا الاتفاق من مضمونه ومحتواه.

ويندرج التحذير الأميركي للنظام وحلفائه من مغبة استخدام السلاح الكيميائي بعد رصد تحركات بهذا الاتجاه في إطار الإعتقاد السائد بأن إيران ستحاول خلال قابل الأيام بكل إمكاناتها الزج بقواتها وميليشياتها من أجل فرض وقائع جديدة على الأرض، مستفيدة من زخم اعلان هزيمة تنظيم «داعش» في العراق ودور الحشد الشعبي ولاسيما الجزء المحسوب منه على الحرس الثوري الإيراني في تحقيق هذا النصر.

وإذا كان رد الفعل الروسي والإيراني بشأن التحذيرات الأميركية مفهوماً ضمن لعبة شدّ الحبال، فإن اللافت ذهاب موسكو إلى الحديث عن مخططات للإهابيين بشن هجوم كيميائي في درعا، وهي سياسة كان كلٌّ من النظام وحلفائه يستخدمها مع كل تحضير لعمل من هذا النوع. وتأتي خطورة الكلام الروسي في وقت يحتدم فيه القتال في الجنوب السوري حول درعا التي شهدت في الأسابيع الماضية أشرس المعارك وأفتكها بغطاء جوي سوري- روسي من أجل فصل ريفي درعا الغربي والشمال الغربي عن الريفين الشرقي والشمال الشرقي والوصول إلى الحدود مع الأردن.

ولا يبدو «تبشير» الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله في «يوم القدس» بأن الأجواء اللبنانية قد تُفتح أمام الميليشيات العراقية والإيرانية واليمنية والأفغانية والباكستانية، إذا قررت إسرائيل شن حرب على لبنان أو سوريا، معزولاً عن الرسائل الإيرانية أن في يدها أوراق قوة يمكن استخدامها ، ويمكن من خلالها خربطة الحسابات الأميركية وحتى الأميركية- الروسية إذا تم عزلها أو تهميشها أو استهدافها. والورقة الأربح والأكثر تأثيراً على الإدارة الأميركية هي الحرب مع إسرائيل، والتي يمكن إشعالها عبر جرها إليها بشتى الطرق.

فالإعتقاد السائد لدى أكثر من متابع قريب من الفاعلين في إدارة ترامب أن لا مصلحة لدى تل أبيب في استدراج حرب مع «حزب الله» سواء على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية أو السورية- الإسرائيلية، في المرحلة الراهنة، رغم اقتناعها أن ميليشياته اكتسبت خبرة كبيرة في الميدان السوري، وهي تقوم بالضربات الوقائية في الساحة السورية كلما تجاوز الحزب وراعيه الخطوط الحمر سواء بمحاولات التقدم على الأرض في محاذاة الخط الحدودي أو تمرير الصواريخ المحظورة.

هذا الاعتقاد يتماهى في حقيقة الأمر مع قراءة جهات لبنانية عدة على اختلاف مشاربها السياسية من داعمة للحزب ومناوئة له. لكن الفارق يكمن في أن قلقاً فعلياً ينتاب أوساطاً لبنانية عدة من ذهاب نصرالله ــــ وربما للمرة الأولىــ من تعريض لبنان إلى هذا الحدّ من المخاطر بإعلانه أنه ومن ورائه إيران لن يتوانان عن تحويل لبنان إلى «ساحة جهادية» تستقطب كل المقاتلين العرب والأجانب لقتال إسرائيل، بما يعني إعادة تشريع الساحة اللبنانية مجدداً لصراع إقليمي- دولي، في وقت يبدو معه لبنان الرسمي عاجزاً عن الوقوف في وجه المغامرات القاتلة، ومشرِّعاً الباب أمام مزيد من الحصار العربي عليه ومن العقوبات الأميركية التي يمكن أن تشهد فصولاً جديدة غير تلك التي يتم التحضير راهناً لإقرارها.