IMLebanon

خطاب نصرالله في ميزان الاعتدال الشيعي

لاقى خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أمس الأولّ، إستهجانا وإستنكارا لدى شريحة واسعة داخل الطائفة الشيعية في لبنان خصوصاً لجهة تهجّمه على المملكة العربية السعودية وإتهامها بالإرهاب وبالسعي إلى إحداث فتنة سنّية – شيعية، كما ساق بحقها جملة إتهامات لا تليق إلا بالدور الذي يلعبه حزبه المدعوم إيرانيّاً في كل من سوريا والعراق واليمن، والتحريض في البحرين وسعيه الدائم إلى قلب الأنظمة فيها والأدلة كثيرة في هذا المجال.

حمل كلام نصرالله الكثير من التناقضات عدا أنه كان بمثابة «سرقة واضحة« للقرار الشيعي في لبنان والعالم العربي بعدما ادّعى تمثيله الحصري لهم من خلال التحدث بإسمهم مستخدماً عبارات لا يُمكن أن توضع إلا في خانة الدعوة إلى الإنقسام المذهبي، ليعود بعدها وينبّه من فتنة مذهبية كانت أشبه بمحطة رافقت خطابه منذ البداية حتى النهاية. لكن الأسئلة التي تطرح نفسها في لعبة ايران و»حزب الله» المذهبية هي الآتية: من هجّر أهالي «القصير» السنيّة؟ ومن هجّر وقتل أهالي «القلمون» السنية؟ ومن يسعى اليوم إلى إحداث تغيير ديموغرافي عرقي بين «الزبداني» وبلدتي «الفوعة» و»كفريا»؟ ومن يقوم بالإنقلاب على الشرعية في اليمن ضمن مخطط مذهبي والأمر نفسه في العراق؟.

جملة مواقف لشخصيات شيعية لبنانية لا تنتمي إلى فكر نصرالله ولا الى مرجعيته السياسية والدينية، عبّرت عن مواقفها من خطابه الأخير حيث أجمعت على إستنكار كل ما ورد في الخطاب خصوصاً لجهة التهجم على السعودية. 

الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي السيد محمد علي الحسيني أشار إلى أن «نصرالله لم يكتف بإعلان الموقف الإيراني وتأييده ما يعني قطع العلاقات مع السعودية، بل ذهب إلى أبعد من كلام الخامنئي نفسه، عندما جزم أن النظام السعودي اقترب من نهايته وكأنه تسلّم مهام «المرشد» نفسه في تحديد سياسة الكون وطبيعته، ويبدو أن نصرالله قرر أن يتخذ من قضية الشيخ نمر النمر عنواناً وقضية وجعلها شعاراً للمرحلة المقبلة».

ورأى أن «كلام نصرالله عن تحوّل الخطر من المشروع الاميركي الصهيوني إلى التكفيري، يعكس تحولا استراتيجياً لدى حزب الله نحو الساحات الداخلية والإقليمية وتخليه عن حربه ضد إسرائيل وهي الحرب التي أكسبت مقاومته شرعية في العالم العربي قبل الداخل اللبناني»، لافتاً إلى أن «الكلام عن ان اعدام النمر لا يمكن ان يمر مرور الكرام، هو استمرار وتكملة لكلام الخامنئي بأن السعودية ستدفع ثمن فعلتها، وهو ما يؤكد أن الحزب في لبنان ليس سوى ذراع ايراني يمكن ان يضرب في المكان الذي يأمره به العقل المتواجد في ايران وأن قراره ليس مستقلاً كما يدعي نصرالله وأعضاء حزبه».

وتوجه الحسيني بالدعوة إلى «أهل الخليج، خصوصاً المواطنين الشيعة في السعودية والبحرين، للحفاظ على الهدوء ورصّ الصفوف، لأن الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخليين في هذه المرحلة يرقى الى مستوى الإيمان والتقوى وهو واجب شرعي خصوصاً وأن إيران النظام القائم على القتل والإرهاب والإستبداد، لن تتوانى عن جعل الشيعة العرب وقوداً لمصالحها في المنطقة تماما كما هو حال الشيعة في لبنان بحيث لا يكادون ينتهون من حرب، حتّى تزج بهم في حرب أخرى».

بدوره قال الصحافي علي الأمين «إن هجوم نصرالله على السعودية، يتجاوز لبنان ويتصل بالسياسات الإيرانية على مستوى المنطقة، ونصرالله هو أحد تجليات هذه السياسة وهو أحد أذرع القوى الاقليمية الايرانية في المنطقة، ومن الواضح أن السياسة الإيرانية تخوض مواجهة في أكثر من ساحة. لا شك أن الذراع الشيعي هو الذي تعتمده إيران في مواجهة ما تعتبره تحدياً لها في عدد من المناطق لا سيما كما يحصل في العراق واليمن ولبنان»، معتبراً أن «كلام نصرالله لا يشكل تطوراً نوعياً بقدر ما هو إستمرار وتأكيد على سلوك خط سياسي مستمر منذ سنوات عديدة. ولكن الجديد اليوم والذي يمكن أن يشار اليه هو رد الفعل الذي قامت به السعودية على مستوى التصدي لهذه المواجهة من خلال قطعها العلاقات الدبلوماسية مع ايران».

أضاف: «السؤال اليوم هو: هل ستقوم إيران بالرد على الاجراء السعودي الدبلوماسي في رسائل تأخذ بعداً أمنياً؟، بتقديري أن هذا الأمر محتمل لا سيما وأن إيران قادرة على توجيه الكثير من المهمات الأمنية والعسكرية من دون أن تكون هي في الواجهة وبالتالي العنصر الشيعي في المنطقة العربية يبدو أنه هو المؤهل للعب هذا الدور»، مشيراً إلى أن دور «حزب الله في لبنان هو أداة وسينعكس دوره على وضع البيئة الشيعية العربية وسيجعلها في موضع إما تشكيكي وإما مستهدف لسبب أن هناك إنطباعاً عاما قد لا يكون صحيحاً لكن هذا موجود، وهو أن الشيعة تحولوا الى جالية من الجاليات الايرانية».

وأوضح أن «ما نلاحظه اليوم في ما خص الأحكام في السعودية، أن ردود الفعل تنطلق من إيران وتتبعها مواقف شيعية في المنطقة، فيما لم نلحظ اعتراضاً أو احتجاجاً في المنطقة من البيئة السنّية في العالم العربي رغم أن أغلبية من تم اعدامهم هم من السنة، وهذا مؤشر ورسالة للقول أن ردود الفعل تجاه هذه الإعدامات من خلال البيئة الشيعية وعلى رأسها إيران، تعطي دلالة على أن هذه المواقف تصب في ترسيخ الإنقسام السنّي الشيعي، وفي كل الاحوال ليس ذلك من صالح المسلمين عموما ولا الدول العربية وهو بالضرورة أسوأ ما يمكن أن يطال الشيعة في المنطقة العربية».

من جهته اعتبر مدير مركز «أمم» للأبحاث والتوثيق في لبنان لقمان سليم أن «أبرز ما في خطاب نصرالله أنه ملكي أكثر من الملك، بمعنى أنه يكاد أن يكون قد ذهب إلى ما لم تذهب اليه إيران نفسها، وهذا الرد عمليا يساهم في تصغير وتقزيم حزب الله أكثر مما يساهم في تقويته وكأنه تحوّل إلى حارس شخصي يمارس قوته وعنفه وسطوته على الناس إكراماً لسيده الإيراني»، مؤكداً أن «لكلام نصرالله إرتدادات في العالم العربي يمكن أن تؤثر على الوضع الشيعي في العالم العربي، وبعدها سنشاهده مجددا وهو يهاجم هذه الدول لمجرد أنها اتخذت إجراءات قانونية بحق كل من يتبع الحزب وأنشطته السياسية والامنية».

وقال «أي تحريض للشيعة هو مدعاة ومجلبة ضرر، والمشكلة هي أن يخاطب نصرالله عصب جمهوره بشكل مذهبي ثم يعود ويقول لهم إن مشكلته مع آل سعود، فهذا نوع من الغش»، لافتاً إلى أن دعوة نصرالله إلى عدم الإنجرار وراء الفتنة المذهبية، «هو كلام مزدوج القعر، فما الذي يضمن أن يسمع الناس هذا الجزء من الخطاب دون بقيته أو أنهم سيحملون هذا الجزء على محمل الجدية وأنهم سيتركون الجزء الآخر؟ جميعنا يعلم أن الناس تنحو عادة نحو الأقصى، ونصرالله ذهب بخطابه الى أقصى التهديد والوعيد والتخوين وزرع الفتنة بين أبناء البلد الواحد والمنطقة الواحدة».