Site icon IMLebanon

خطاب نصرالله.. فيلم إيراني هزيل

عاد الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله الى خطاب «الدوز العالي»، بعد استراحة محارب دامت لأكثر من أسبوعين. عاد الى التهديد والوعيد والصراخ والتهويل ورفع الاصبع. قذف بكوب «الليموناضة»، المفيدة للحنجرة، جانباً، وقرّر أن «يحكي الأمور كما هي». نصّب نفسه متحدّثاً باسم الأمة من المحيط الى الخليج، أسقط الماضي على الحاضر فشوّه التاريخ، أبدى خشية الأب العطوف على أبنائه في تيار «المستقبل» وقوى «14 آذار» خوفاً من أن يصبحوا أولى ضحايا تنظيم «داعش« الإرهابي (و«المستقبل« من خشية نصرالله يفهم)، وزّع «صكوك ضمانات» على اللبنانيين «إذا انتصر الأسد»، خيّر العرب واللبنانيين والسوريين بين النظام السوري و»التكفيريين» (لا حل ثالثاً)، دعا الى تعميم تجربة «الحشد الشعبي» في العراق لمواجهة الإرهابيين في المنطقة، اتّخذ «قراراً نهائياً» بتحرير عرسال وجرودها من «التكفيريين« بمعاونة العشائر وأهالي البقاع الشمالي، وتراجع عن دعوته الى «التعبئة العامة» التي نقلتها «منظومته الإعلامية» عن لسانه، فـ»الأمر لا يزال باكراً»!

يتنبأ نصرالله بأن يكون «تيار المستقبل أولى ضحايا تنظيم داعش». وكأن مصير قيادات تيار «المستقبل« وقوى «14 آذار» بيد إسرائيل حين يصفهم نصرالله بـ»العملاء»، وبيد «داعش» حين يصفهم نصرالله بـ»التكفيريين»! لماذا تغتال إسرائيل أولاً، وداعش ثانياً، خصوم «حزب الله«؟ هل في كلام السيّد تهديداً باغتيال شخصيات في تيار «المستقبل«؟ هل نحن أمام فيلم إيراني طويل يلعب «أبو عدس» جديد دور البطولة فيه؟ ماذا عن تهديد النائب محمد رعد للأمين العام لتيار «المستقبل« أحمد الحريري بالقول: «حسابك بعدين»؟ ماذا لو تعرض أحمد الحريري (لا سمح الله) لمحاولة اغتيال؟ هل سيتّهم حزب الله «داعش»؟ وماذا عمّن هدّد بـ»الحساب بعدين»؟ أم ان «حزب الله« يهدّد و«داعش« يُنفّذ؟! ماذا لو كان مخطط سماحة للمملوك قد نجح في اغتيال شخصيات سياسية ودينية؟ هل كان السيد سيتهم «داعش«؟

ويقفز «سيّد المقاومة» برشاقة الى الملف الاستراتيجي الأهم، وهو ملف عرسال، البلدة البقاعية التي تدفع ثمن الجغرافيا والديموغرافيا. فالدويلة الإيرانية-الأسدية المُنكفئة باتجاه الساحل، تواجه عقبة جغرافية بوجودها، وعقبة ديموغرافية لكون أهاليها ليسوا من البيئة المذهبية للدويلة الإيرانية المأمولة شرقاً، ولبيئة «حزب الله« المجاورة غرباً وجنوباً. هكذا طالب نصرالله الدولة اللبنانية بتحمّل مسؤولياتها في عرسال وجرودها. ومسؤولياتها هنا، بحسب المنطق الممانع، تعني أن يدخل الجيش اللبناني في حرب «الجندي عند الولي الفقيه» في القلمون. «وإذا لم تتحرك الدولة، فأهلنا في بعلبك- الهرمل وعشائرهم وعائلاتهم وكل فرد منهم لن يقبلوا ببقاء تكفيري واحد في أي جرد من جرود عرسال»، يقول نصرالله. هكذا يحرّض نصرالله، بالحرف والفاصلة والنقطة، أهالي البقاع الشمالي على عرسال وأهلها. ربما تلحظ الخطة «ب» إشعال صراع أهلي في البقاع الشمالي، يطيح بعرسال، ويؤمّن الدويلة الإيرانية المأمولة. لكن هل يعتقد «مغامر» بأن أي صراع أهلي في أي منطقة من مناطق لبنان لن يتمدّد على مساحة الوطن بسرعة البرق؟!

ويذرف نصرالله «دموع« الحريص على وجود سوريا ومكوناتها من الخطر المتمثّل بـ»داعش»: «هذا التنظيم الإرهابي ذبح 400 ضحية في تدمر. انظروا ماذا فعل داعش بأهل السنة الذين لم يتعاونوا معه. انظروا ماذا فعل بالذين رفضوا مبايعة خليفته المزعوم»؟

صحيح أن «داعش» الإرهابي يشكّل خطراً وجودياً على كافة مكونات مجتمعات المنطقة، لكنّ للسيّد قولاً لطالما ردّده في خطاباته: «لماذا نتحدّث عن المشكلة من دون أن نحاول معالجة أسباب المشكلة؟. وفي الأسباب، أين كان «داعش» عندما نَحَرَ بشار وميليشياته عشرات آلاف السوريين الذين لم يبايعوا خليفة قصر المهاجرين؟ ماذا فعل الأسد بأهل السنّة في الحولة وبانياس وحمص والغوطتين وجوبر وحلب ودرعا وغيرها من المناطق على مساحة سوريا؟ وبما أن الأسد يقاوم «داعش»، كما يدّعي، فلماذا لم يرمِ برميلاً متفجراً واحداً على هذا التنظيم في تدمر، بينما أمطر المناطق التي حرّرتها المعارضة ببراميل البارود وصواريخ السكود وحتى بغاز السارين؟ لا بأس، ربما يتوجب على الجميع التعالي على الجراح في سبيل محاربة «الخطر الوجودي». لكن كيف يُحارَب؟« تعميم تجربة «الحشد الشعبي» في العراق لمواجهة الإرهابيين في المنطقة»، يقول نصرالله. ما الذي يُراد تعميمه؟ نعود لـ»هيومن رايتس ووتش» التي باتت تعجب محور المقاومة منذ أن أصدرت تقريراً عن اليمن، لعل السيد يعرف أن ميليشيات الحشد الشعبي فجرت بيوت السنة في أمرلي بيتاً بيتاً بعد أن دخلتها بقيادة قاسم سليماني، ونهبت تكريت وأحرقت بيوتها ومساجدها من دون تمييز. الحشد الشعبي الذي يُراد تعميمه هو الخدمة الكبرى والمبرر العملاني لوجود «داعش«. هل يحلم أبو بكر البغدادي بأكثر من ميليشيا مذهبية حاقدة تدفع الناس إلى تفضيل ظلاميته وإجرامه على ظلامية وإجرام غيره؟

فيما كان اللبنانيون يحتفلون بعيد «التحرير» كمناسبة وطنية، هناك من احتفل به بوصفه «جندياً عند الولي الفقيه»، ولهذا وحده ينسب «الانتصار» ويصرفه في حساباته الاستراتيجية. انطلق نصرالله من هذه المناسبة ليعلن عن استعداد «عشرات الآلاف من رجال الله للتواجد في كافة الميادين»، بعد أن تراجع عن بالون «التعبئة العامة»، الذي أطلقه قبل 24 ساعة من خطابه الأخير، لجسّ نبض شارعه. كل ما نفاه «حزب الله« عن مشروعه صار اليوم معلناً و»بلا مستحى»، ولا يمكن لأي شيعي أن يخرج عليه إلا أن يكون خائناً عميلاً من «شيعة السفارة». جمهور «حزب الله«، كل الجمهور، يعلم أنها ليست حرباً مع «داعش»، الذي لم يُطلق عليه الحزب ولو رصاصة طائشة في القلمون. الحرب كما يقول نصرالله بلسانه هي على «السعودية وقطر وتركيا بعد أن توحّدوا»، وبالطبع معهم لبنان وسوريا والعراق واليمن. يعني أنها حرب مذهبية إيرانية كاملة على مساحة شرق المتوسّط.