لا يلام خصوم حزب الله على اعتبار الكلام الاخير للامين العام السيد حسن نصر الله بعيدا من الواقعية السياسية، الى الحد الذي يسمح بالقول ان لا جديد فيه، باستثناء تكرار مقولة ان مرشح الحزب للرئاسة الاولى هو رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون، وقد زاد سماحته على ذلك ان مرشح الحزب لرئاسة مجلس النواب هو الرئيس نبيه بري، وهكذا تبين انه لم يترك لكل البلد من سياسيين وطوائف واحزاب سوى رئاسة مجلس الوزراء، التي لا تزال رقعة غير قابلة للمساومة قبل ان يعرف بيانها الوزاري وخطة عملها؟!
صحيح ان السيد لم يترك مجالا للتساؤل عن دوره في الحرب السورية، بما في ذلك دوره التسليحي القائم على معادلة »دولة ضمن دولة« وهذا بمجمله من ضمن اللااصول السيادية التي من المفترض ان تشكل خط سير السلطة، اضف الى ذلك ان نصر الله مستمر في نظرة الحزب ان الحرب في كل من العراق واليمن، من غير ان ننسى نظرته وطريقة تصرفه حيال الوضع العام في مملكة البحرين، حيث يتبنى وجهة نظر ايران، لاسيما ان مجالات التعاطي السياسي محكومة بما تقرره طهران، من غير حاجة الى فهم وادراك مصلحة لبنان ازاء كل ما تقدم؟!
والاصح ان شروط حزب الله محكومة بعوامل سلبية في مجملها، خصوصا عندما يقول الرجل ان لا مجال امام ان يحلم لبنان بانتفاء التأثير على قراره السيادي، عندما يتقرر ما على السلطة ان تفعله لممارسة المطلوب منها، من غير حاجة الى ان تطلب اذنا من احد، بما في ذلك الذين في الحكومة لان من يتخذ القرار هو رئيس الجمهورية بالتفاهم مع رئيس مجلس الوزراء، بحسب ما ينص عليه الدستور والقوانين والاعراف، حتى ولو اقتضى الامر ان يكون هناك تنسيق بين مؤسسات الدولة من دون حاجة الى حصول مناكفات سياسية تقوم على اساس ان ثمة من لديه مصالح خاصة من الصعب تقديمها على المصلحة العامة للدولة (…).
المهم في هذا المجال ليس تكرار فرض الشروط لتحديد نوع الالتزامات السياسية للحكومة، بل القول صراحة، ان الشراكة في تحمل الاعباء تعني تجنب كل ما من شأنه ان يثير الشهية السياسية لغير المعترضين على علاقة لبنان بالخارج، ومن ضمن كل ما تقدم ان حزب الله مطالب بأن يعود الى بيت الطاعة لا ان يفرض على الاخرين ان يطيعوه ويتخلوا عن الصوابية السياسية التي تعني ان لا مجال امام حزب الله لان يفرض رأيه على الحكومة باستثناء الاخذ بارتباط الدولة بما تمليه المصلحة العامة؟!
والاهم من كل ما تقدم ان يفهم حزب الله على ما يسعى الاخرون لتحقيقه، من غير حاجة الى تحديات من النوع الذي لا يزال يمنع انتخاب رئيس للجمهورية واعداد قانون للانتخابات النيابية فضلا عما له من ارتباط واقعي بلزوميات تعيين قائد للجيش يكون على تفاهم واضح وجلي مع الرئاسة الاولى. وهذه الامور ستبقى عالقة الى حين انضاج الطبخة السياسية القائمة على اساس تفاهم الاقطاب وليس على اساس من يفترض به ان يكون من ضمن تركيبة الحكم كي لا يتكرر مسلسل الازمات داخل الحكم وعلى جوانبه؟!
ومن الان الى حين نزول نواب حزب الله وغيرهم الى المجلس للمساهمة في انتخاب الرئيس الاول، فان الحكم سيبقى معطلا بقرار من حزب الله مبني على قاعدة الرفض لمجرد الرفض، اقله بانتظار حصول اعجوبة يفهم منها: تخلي الحزب عن سلاحه من ضمن صفقة سياسية يفهم منها ان القرار يجب ان يبقى بعهدة الدولة، كما يفهم منها ان لا معنى للاستمرار في اندفاعه الحرب السورية التي تحولت الى عبء على الدولة اللبنانية بكل ما تعنيه وترمز اليه من واجبات داخلية وضرورات اقليمية ودولية في آن؟!
اما اولئك الذي وجدوا في كلام الامين العام لحزب الله ما يصح التوقف عنده، فانهم لم يستوعبوا الى الان ما عناه السيد على حقيقته السياسية، طالما انه لم يقصد القول انه على خط واحد مع الجماعة السيادية، فضلا عما عناه بالنسبة الى فرض شروطه على اولئك الذين ليسوا من رأيه؟
ومن الان الى حين تخلي حزب الله عن شروطه، يبقى من الضروري ان يفهم ما تمليه عليه المصلحة الوطنية العليا كي لا يتهم بانه لا يزال على تصلبه على رغم كل ما تعنيه كلمة تصلب من معنى سياسي ودستوري، لاسيما ان لا سابقة في لبنان تجعل اي طرف يفضل مصالح الغير على المصلحة الوطنية، حتى ولو اقتضى الامر تطبيق المبدأ اللاسيادي الذي يجعل اطرافا تفضل مصالح الغير على المصلحة الوطنية العليا، في اشارة الى ما ليس بوسع نصر الله القول انه على حق وغيره على باطل؟!