IMLebanon

خطاب نصرالله: التسوية لم تنضج

رفعَ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله من وتيرة خطابه السياسي، ليكون بمثابة خطاب مواجَهة في الحرب المتعدّدة الأبعاد التي تَشنّها الولايات المتحدة الأميركية على حزب الله، والتي تصاعدت وتيرتها في الأيام الأخيرة.

فيما كان البعض ينتظر من السيّد نصرالله أن يتطرّق في كلمته المتلفزة مساء أمس الى الاستحقاق الرئاسي في ظل ما بدا من خلاف بين حليفين رئيسيين للحزب هما رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، كان البعض يتوقع ان تكون هذه الكلمة ناريّة وتتوعّد اسرائيل بردّ مزلزل على اغتيال الأسير المحرّر والقائد في المقاومة سمير القنطار. لكنّ السيّد نصرالله رفعَ من وتيرة الخطاب ليكون بمثابة خطاب مواجهة في الحرب المتعدّدة الأبعاد التي تشنّها واشنطن على حزب الله.

ففي خلال أقلّ من أسبوعين كان التضييق على قناة «المنار» على يد مؤسسة «عربسات» ذات العلاقة الوثيقة بعواصم عربية معروفة بعلاقتها الوثيقة بواشنطن.

وفي هذين الاسبوعين أيضاً أصدر الكونغرس الاميركي قرارَه باعتبار حزب الله «منظمة إجرامية» متّخذاً عقوبات اقتصادية وماليّة هدفُها التضييق عليه، ومن ثمّ التضييق على لبنان ومصارفِه بذرائع لا تستنِد الى أيّ أدلّة أو براهين.

وفي هذين الاسبوعين أيضاً وأيضاً تمّ اغتيال سمير القنطار في مدينة جرمانا القريبة من دمشق، والذي اعتبره الإسرائيليون ركناً أساسياً من أركان التحضير لمقاومة في الجولان، بعدما لعبَ دوراً في حماية أهل جبل العرب من فتنةٍ كانت تُعدّ لهم وبينهم وبين جيرانهم.

فالحرب الاميركية على حزب الله بجوانبها الثلاثة، الإعلامية والاقتصادية والعسكرية ليست جديدة، ولكن الجديد فيها حالياً أنّها في ظلّ الاتفاق النووي الايراني ـ الاميركي الذي كان يعتقد كثيرون أنّ حزب الله يلعب دوراً رئيسياً في عملية شد الحبال لمصلحة الجمهورية الإسلامية الايرانية ليتمّ التوصّل إليه، أو يَعتقد البعض أنّ الضغط الاميركي والغربي على إيران كان يهدف الى وقف الدعم الايراني للحزب وللمقاومة في فلسطين بما يهدّد إسرائيل على أكثر من جبهة.

اليوم، الحرب الأميركية على حزب الله تبدو، حسب كثيرين، حرباً على المقاومة، بغَضّ النظر عن علاقة واشنطن بحليف المقاومة الرئيسي في طهران، وبالتالي فهذه الحرب تبدّد كلّ الانطباعات الخاطئة التي كانت تصوّر حزب الله بأنّه مجرّد أداة في يد طهران تستخدِمها في وجه تل أبيب وواشنطن، بل إنّ هذه الحرب كشفَت انّ واشنطن تستهدف حزب الله ذاتَه لدوره في مقاومة المشروع الاسرائيلي في فلسطين والمشروع التفتيتي التدميري في سوريا اللذين يَعتبرهما الحزب وجهين لعملة واحدة.

ومن هنا يرى بعض السياسيين انّ وراء الأكَمَة ما وراءها، وأنّ حزب الله في صَدد إعداد استراتيجية لمواجهة شاملة مع واشنطن، أو مع الفريق القديم ـ الجديد في الإدارة الاميركية الذي يصرّ على جرّ بلاده الى مغامرات غير محسوبة، سواءٌ في أفغانستان حيث ما زال مواطنون وجنود اميركيون يسقطون في عمليات «طالبان»، أو في العراق حيث تتعالى اصوات في واشنطن تَعتبر انّ إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش قد ارتكبَت خطأ استراتيجياً كبيراً في الحرب على بلاد الرافدين بلا مسوّغ شرعي، أو قرار دولي، ما أحاط الدورَ الاميركي في العالم بحجمِه الكبير، بالحقد والكراهية التي تتفجر إرهاباً في عواصم الغرب وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية نفسها.

غير أنّ بعض المحللين السياسيين يعتقدون انّ تصعيد واشنطن ضد حزب الله تريد منه ان تَطمئنَّ الى انّ النزاع مع ايران لم ينتهِ بعد، وأنّ الحساب مع حكومتها ما زال مفتوحاً. كذلك يظنّ هؤلاء المحللون انّ الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي يَعتبر انّ إنجازه التاريخي في ولايته الثانية يتمثّل بالاتفاق مع ايران، يرى انّ عليه ان يرضيَ بعض الصقور في إدارته عبر مواصلة المعركة ضد حزب الله.

وفي كلّ الحالات، فإنّ لهذه المعركة الاميركية ضد الحزب، أيّاً كانت درجة جدّيتها، تداعياتٍ على المشهد اللبناني والعربي والاقليمي، فحزب الله لم يعُد قوّةً محلية، بل بات قوّة عربية وإقليمية مؤثّرة، وإنّه قادر على توجيه ضربات موجعة للمصالح الاميركية إذا ما ركبَت واشنطن رأسَها وصمّمت على المواجهة.

وبهذا المعنى فإنّ لخطاب السيّد نصرالله مساء أمس انعكاساته المحلية، بحيث يُعلن انّ التسوية في لبنان لم تنضج بعد، لا في رئاسة الجمهورية ولا في غيرها، وأنّ لعبة عضّ الأصابع ما زالت مستمرة وأنّ الذي ظنّ أنّ «الدخان الأبيض» قد خرج مع مبادرة الرئيس سعد الحريري كان واهماً، فلبنان ما زال في المربّع الأوّل، يحتاج الى جراحة، ولا تكفيه المسكّنات والمهدّئات التي تُعطى له هذه الأيام.