كيف يمكن تطبيق نظرية نصرالله عن النهوض النفطي للبنان؟
حملت كلمة الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله ليل الأربعاء 13 تموز 2022 أبعاداً متداخلة، منها العسكري والاستراتيجي، ومنها الاقتصادي حيث عاد إلى تبنّي نظرية الحصار والتجويع الأميركي للبنان، من دون الاعتراف بوجود أيّ شكلٍ من أشكال الفساد الذي ابتلع الدولة ومؤسساتها، وفق قاعدة «السكوت عن السلاح مقابل القبول بالفساد» من الحلفاء، مطلقاً «نظرية اقتصادية» جديدة، وهي اعتماد لبنان في خطة تعافيه المالية على النفط والغاز القابع في بطن الأرض.
في رعاية الفساد المتصاعد
سبق لنصرالله أن خصّص لمكافحة الفساد مؤتمرات ولنائبه حسن فضل الله مقولة شهيرة، مع حمله لملفات من شأنه أن تضع رؤوساً كبيرة في السجن، لكنّ كلّ هذه الشعارات انطفأت وتلاشت ولم تعد قابلة للذكر الآن، رغم أنّ الإعلام والناشطين والنواب المعارضين يكشفون كلّ يوم فضيحة جديدة ويعلنون للرأي العام ارتكابات إضافية قام بها رئيس ووزراء التيار الوطني الحرّ، الحليف الأوثق للحزب، وآخر مظاهره الفاقعة فضائح السدود، وخاصة سدّ المسيلحة.
طيّ صفحة الإصلاحات
عملياً، يطوي نصرالله بكلّ وضوح صفحة الإصلاحات المطلوبة لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وخاصة في مجال الطاقة والمياه، وبالتأكيد سائر المرافق العامة، ويريد للبنان أن يبني اقتصاده على أساس أنّه دولة نفطية، ويستغني عن مسار علاقاتنا الدولية ويقطع دابر عناوين الدعم العربية والدولية للبلد.
الواضح أنّ «حزب الله» يعتمد سياسة إلهاءٍ مكشوفة للشعب، من خلال افتعال مواجهة خارجية، يريد من خلالها إعادة الاعتبار لسلاحه باعتباره القوة الوحيدة القادرة على تهديد الكيان الإسرائيلي، وفق نظرية «استغلال» الدولة للمقاومة، وهي نظرية أسقطها نصرالله في كلمته أمس عندما أكّد أنّه هو من يقرّر الاستراتيجية التفاوضية وأنّه ليس بحاجة إلى انتظار إجماع اللبنانيين ليخوض المواجهة مع «إسرائيل».
المفارقة أنّ نصرالله كان كلما واجه إشكالية الفساد، كان يقول إنّ الواقع السياسي في لبنان يمنع المحاسبة، وأنّ للحزب حدوداً لا يستطيع تجاوزها حتى لا يُدخِل نفسه في صراعات إضافية، رغم التأثير المدمِّر للفساد على واقع البلد، لكنّه في الوقت نفسه، لا يقيم أيّ اعتبار للواقع أو للاعتراضات السياسية، وعلى رأسها الحكومة، بضرورة الامتناع عن التصعيد في ملف الحدود والالتزام بحدود العمل الدبلوماسي.
نظرية التعافي النفطي؟
لا نعرف من هم الخبراء العباقرة الذين أوحوا لنصرالله بالقول إنّ لبنان يجب أن يستنقذ نفسه باستخراج الغاز والنفط، وليس من خلال مؤتمرات الدعم الدولية التي ستنتج ديوناً على البلد، وهذه نظريّة لم يسبقه إليها أحد لأنّها تعتبر من أكثر الطروحات استغباءً لعقول اللبنانيين. فكيف يمكن الاستناد إلى ثروة افتراضية تحتاج إلى سنوات من الاستكشاف ثم التنقيب، ليدخل لبنان دائرة الدول المنتجة للطاقتين النفطية والغازية؟
على أيّ أساس يريد نصرالله إقناع اللبنانيين أنّه إذا وصلت مفاوضات الحدود خلال المهلة التي حدّدها إلى نتائج إيجابية، فإنّه يمكن للبنان أن يستفيد مباشرة من الثروة النفطية والغازية، ومن يمكن أن يصدِّق هذا الطرح ليبني عليه خططاً لإنقاذ الشعب اللبناني؟
من يسمع سيد قومه يظنّ، وبعض الظن إثم، أنّ نفط لبنان وغازه جاهزان للاستخراج الفوري وبالتالي يمكن احتسابهما في إطار المعالجة الفورية للكارثة المالية التي يعانيها لبنان في ظلّ حكم الحزب وحلفائه، بينما الواقع يقول، وحسب الخبراء، إنّ الدولة تحتاج إلى سبع سنوات للتنقيب واستخراج النفط والغاز، وهذا يجعل معادلات نصرالله الاقتصادية مرعبة من حيث الابتعاد عن المنطق والواقع، إلاّ إذا كان لديه ما ليس لدى الحكومة والخبراء.
هل يعتبر «حزب الله» نفط وغاز الجنوب لبنانياً أم يراه «مكافأة التحرير» لـ«المقاومة»؟
غاز المقاومة الخاص؟
هناك احتمال وارد بأن يكون «حزب الله» قد استقدم خبراء وشركات خاصة قامت بعمليات استكشاف ودرست الشاطئ والبرّ في الجنوب وقدّمت له معطيات حول وجود الثروة النفطية والغازية، وهو بكلامه هذا يستند إلى ما لديه من معطيات، لكنّ هذا يؤشِّر إلى أمور أكثر خطورة، أبرزها كيفية إدارة هذه الثروة، ولمن سيكون القرار في الشركات التي ستعمل وفي الاستثمارات، وما هو دور مرفأ الزهراني للخدمات النفطية الذي أعلن عنه وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، في معادلة فرض الأمر الواقع وتشكيل إدارة يسيطر عليها «حزب الله» وتكون فيها الدولة واجهة واهية وضعيفة، على قاعدة أنّ نفط الجنوب وغازه هو «جائزة التحرير» لـ«المقاومة» وشعبها.
وفي حال ذهب لبنان إلى اعتماد نظرية نصرالله في «النهوض النفطي»، كيف يمكن تسويق النفط والغاز إذا بقي لبنان معزولاً عن العالم، هل سيلجأ مثل إيران إلى بيع نفطه في السوق السوداء بربع أو بنصف قيمته الفعلية، هل بهذه الوسيلة يمكن بناء الاقتصاد واستعادة التعافي المالي؟
تخبّط على شاكلة «لو كنت أعلم»
لا يمكن تقييم نظرية نصرالله الاقتصادية النفطية، سوى أنّها ستنتهي على شاكلة «لو كنت أعلم» لكن مالياً هذه المرة.
لا يحمل ما قدّمه الأمين العام لـ«حزب الله» على المستوى الاقتصادي أيّ طرح جدّي، وهذا لا يحتاج إلى خبراء ليكتشفوه، بل هو إغراق في نظرياتٍ مضطربة لم تنتج أي شيء لأصحابها، مثل نظرية الاتجاه شرقاً، خاصة أنّ دول محور الممانعة جميعها تتجه شرقاً، لكن أيّ شرق وأي اتجاه، وهي تزداد غرقاً في مستنقعات البؤس والإفقار والتفكّك..؟