مرت ثلاث سنوات على رحيل نسيب لحود وعشر على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. رجلا دولة غيب أحدهما الموت والآخرَ الاغتيال الوحشي عن الساحة السياسية في لبنان والمنطقة. كان نسيب يحلم بلبنان مستقل وسيد وعلماني وحديث، حيث يتعايش جميع الطوائف لتبني بلداً حديثاً. لكن حلمه تحطم أولاً على يد الطاغية السوري الذي استخدم أوراقه ليمنع أن يتولى الرئاسة رجل دولة بكل معنى الكلمة كان مرشحا من أغلبية اللبنانيين. ولكن الرئيس السابق ميشال سليمان أدرك أن لبنان بحاجة الى كفاءات وطنية مثل نسيب لحود وعينه وزيراً. لكن الموت حطّم حلم نسيب وكل من حلم معه بمستقبل بلد أفضل. كما أن اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط (فبراير) 2005 حطّم الآمال التي اشتعلت مع ثورة الأرز مع أول ربيع حقيقي في العالم العربي، عندما أشعل اغتيال الحريري انتفاضة الاستقلال التي دفع ثمنها الشهداء سمير قصير وجبران تويني وبيار الجميل واللائحة طويلة.
واليوم في ذكرى نسيب ورفيق، لا بد من الإشارة الى قاسم مشترك بين الرجلين، إضافة إلى حبهما وإخلاصهما للبلد وإنسانيتهما التي كانت بلا حدود واهتمامهما بمشاكل الآخرين ومساعدتهما المحتاجين. ومما لا شك فيه أن البلد تراجع بشكل كبير منذ غيابهما. فقد رأينا هيمنة أكبر لإيران حليفة بشار الأسد. واعتاد لبنان الفراغ الرئاسي وتم التمديد للمجلس النيابي وتراجعت الحياة السياسية التي لا أمل فيها بمستقبل أفضل للشباب. فمعظم الكفاءات يريد الهجرة إذا كان ذلك في متناولها، والبلد يعيش على شفير الهاوية مع جار طاغية يقتل شعبه ويدمر بلده ليبقى رئيساً على بلد فقد السيطرة عليه وفتح أبوابه لوحش جهادي آخر هو تنظيم «داعش» الذي يهدد المنطقة باسرها.
إن الطاغية السوري منع عبر وكلائه في المنطقة وصول نسيب لحود إلى الرئاسة. وهو نفسه الذي أراد إزالة العملاق الدولي رفيق الحريري باغتيال نفذه وكلاؤه في لبنان. هذا الطاغية يتحمل مسؤولية مقتل مئتي ألف سوري وتهجير الملايين من شعبه وظهور وحشية وإرهاب «داعش». لقد فرض العرّاب الإيراني على «حزب الله» إرسال مقاتلين من أبناء لبنان لحماية النظام السوري، واليوم يتحمل لبنان عبء ما قام به بشار الأسد للبقاء على رأس بلده. وفي هذا الشهر، مع إحياء ذكرى رجلي دولة طمحا إلى تحويل لبنان (كل منهما بطريقته) بلداً حديثاً وغنياً يتعايش فيه الجميع في أمن واستقرار، نرى أن الأحلام تحطمت ليس فقط للبنان بل أيضاً للمنطقة مع بقاء الأسد. أما استراتيجية رئيس القوة العظمى باراك أوباما لعقد صفقة نووية مع إيران فلن تحمل أخباراً سارة لجهة تعديل سياسة إيران في المنطقة، وخصوصاً في سورية ولبنان ومع «حزب الله». فإذا تمت الصفقة وأصبحت إيران تحت مجهر مراقبي وكالة الطاقة الذرية ورفعت العقوبات الدولية عنها، سيعني ذلك أنها ستشدد وطأتها على أوراقها ووكلائها في المنطقة. ورفع العقوبات سيعني أن كل دول الغرب ستهرول للعمل مع إيران. والجميع سيغض النظر عن دولة صغيرة مثل لبنان أصبحت مملة بمشاكلها حتى للدول التي تربطها علاقات تاريخية معها.
إن الأوضاع العامة في ذكرى رجلَيْ دولة مثل نسيب لحود ورفيق الحريري لا تدعو إلى التفاؤل، وكم كان لبنان والمنطقة في حاجة إلى أمثالهما، فعدم مبالاة أوباما بوحشية نظام الأسد وأولويته بمعاودة العلاقات مع إيران من دون أي محاسبة سوى عدم تطوير السلاح النووي، أمر لا يبعث على التفاؤل. وحرب الائتلاف الدولي على «داعش» من دون المس ببشار الأسد وجماعته، هي بمثابة ترخيص لنظام أمر باغتيال عمالقة السياسة والقلم في لبنان قبل أن يتولى قتل أبناء شعبه.