IMLebanon

هل يحذو حذو حتّي وزراء آخرون أم تستمر سياسة العناد واللعب على حافة الهاوية؟

 

استقالة وزير الخارجية وضعت الملف الحكومي برمته على بساط البحث

 

لم تكن خطوة مفاجئة، الاستقالة التي تقدم بها وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتّي، للذين كانوا وما زالوا يطلقون يحذرون من مسار الأداء الحكومي الذي يشوبه خلل فاضح، أساء كثيراً إلى سمعة الحكومة وأفقدها الكثير من تماسكها وهيبتها، في ظل الإخفاقات المتعددة التي واجهتها منذ تشكيلها، ما عرضها وما زالت للكثير من الانتقادات التي طالبتها بالاستقالة، وضرورة تشكيل حكومة جديدة قادرة على اكتساب ثقة الناس والرأي العام العربي والدولي. وقد جاءت استقالة حتي لتطرح الملف الحكومي برمته على بساط البحث، بعد ترحيب قوى المعارضة الواسع بهذه الاستقالة، ودعوتها إلى أن تكون مقدمة لاستقالة حكومة الرئيس حسان دياب برمتها. خاصة وأن المطالبين باستقالة الحكومة يعتقدون أنه ما عاد ممكناً لهذه الأخيرة أن تقوم بما هو مطلوب منها، في ظل تراجع أدائها على نحو غير مسبوق، وعجزها الفاضح عن معالجة الأزمات المستعصية التي يواجهها لبنان، في موازاة تعثر مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي الذي يأخذ على هذه الحكومة فشلها في توحيد الأرقام المالية التي يجري على أساسها التفاوض، ما عرض سمعة الحكومة والعهد إلى اهتزاز كبير، أفقدهما الكثير من المصداقية العربية والدولية.

 

ويبدو بوضوح من بيان استقالة الوزير حتي، أن الرجل أدرك ولو متأخراً أن الأمور متعثرة في كل شيء، بدليل تخبط الحكومة في عملها، ما أفقدها القدرة على اتخاذ قرارات صائبة تصب في مصلحة البلد، ولذلك لم يكن مستغرباً أن تتفاقم أزمات الكهرباء والسيول والمازوت والدولار والنفايات والكورونا، دون أن يبادر المسؤولون إلى إيجاد العلاجات الكفيلة لهذه الأزمات التي تزداد تعقيداً، ما ينذر بمرحلة شديدة التعقيد تنتظر لبنان، إذا استمر هذا التراجع المخيف في عمل الحكومة التي تعرضت لاهتزاز كبير باستقالة الوزير حتي، وهي رسالة بالغة السلبية للمجتمعين العربي والدولي، تنذر ببدء تصدع الحكومة «الذيابية» في لحظة سياسية بالغة الخطورة يعيشها لبنان، ما قد يفتح الباب أمام تغيير حكومي واسع، بالرغم من تعيين السفير السابق شربل وهبة وزيراً للخارجية والمغتربين بدلاً من الوزير المستقيل حتي.

وتسأل في هذا الإطار أوساط سياسية معارضة عن مدى قدرة الحكومة على الصمود في مواجهة الضغوطات التي تتعرض لها على مختلف الأصعدة؟ في وقت يتوقع أن تشكل استقالة حتي جرس إنذار يؤشر إلى المرحلة الصعبة التي تنتظر لبنان، مع اتساع رقعة الانهيار الذي يبدو محتماً، في حال استمرت اللامبالاة في معالجة الكثير من الأزمات التي شهدها البلد في الأشهر الأخيرة. وبالتالي فإن عملية الترقيع التي حصلت باستبدال وزير بوزير آخر لن تقود إلى أي مكان، طالما أن الذهنية المتحكمة بمسار الأمور ستبقى نفسها، ما سيزيد من حجم المعاناة ولن يسمح بحصول التغيير الذي يطالب به اللبنانيون، في وقت بدأت التحذيرات تتصاعد من حال العزلة القاتلة التي يواجهها لبنان، عربياً ودولياً، في ظل تنكر العهد والحكومة القائمة لمصالح لبنان العربية والدولية، وهو ما عانى منه كثيراً الوزير السابق حتي الذي كان يدرك في قرارة نفسه، أن المسار الخاطئ الذي تنتهجه الحكومة، ليس في مصلحة لبنان وستكون له عواقب وخيمة على مستقبل البلد.

ولا تستبعد الأوساط أن يحذو حذو الوزير المستقيل حتي، عدد آخر من الوزراء الذين سبق ووجهوا انتقادات لعمل الحكومة المتعثر بسبب الخلافات التي تواجهها، بعدما سبق لهؤلاء الوزراء أن أكدوا في أكثر من مناسبة، عن مبرر بقائهم في الحكومة، إذا ما استمرت قاصرة عن أداء دورها بالشكل المطلوب، لا بل أنه قد يعمد العهد ورئيس الحكومة إذا أرادا سلوك طريق المواجهة مع المعارضة، والاستمرار في سياسة العناد واللعب على حافة الهاوية، إلى التشدد في بقاء الحكومة، أو لربما الطلب من بعض الوزراء الاستقالة، في إطار ضخ دماء جديدة في العروق الحكومية المتيبسة، وتعيين بدلاء منهم، في ظل إصرار «حزب الله» على منع استقالة الحكومة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها، وما يعانيه من ضغوطات على مختلف الأصعدة، لا بل أن الحزب لعب دوراً في الطلب من المعنيين الإسراع بتعيين بديل لحتي، وهو الأمر الذي حصل بعد ساعات قليلة جداً على تقديم الأخير استقالته إلى الرئيس دياب الذي اجتمع على عجل مع رئيس الجمهورية، لإيجاد البديل من الوزير المستقيل.

وإزاء هذا الواقع، وبعدما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من تعقيد وتصعيد، فإن الوضع لا يمكن أن يستقيم ويتحسن طالما استمر الحال على ما هو عليه. وهذا يفرض إحداث صدمة حقيقية تريح الناس وتعيد الثقة العربية والدولية بلبنان، من خلال المبادرة إلى استقالة هذه الحكومة التي لم تعد تقوى على القيام بشيء، على ما تؤكد عليه الأوساط التي ترسم صورة قاتمة لمستقبل الوضع الذي تتهدده مخاطر جسيمة، بعدما تلاشت أو تكاد، فرص الإنقاذ التي توفرت في الماضي، ولم يتم استغلالها بسبب الإمعان في سياسة العناد والمماطلة، وهو ما جعل لبنان يواجه أعتى أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه، بعدما أحجمت الدول الشقيقة والصديقة عن مساعدته، بالرغم كل التوسلات العلنية وغير العلنية للمسؤولين الذين كانوا يكابرون ويعاندون، حتى وصل البلد إلى هذا الوضع المزري والمخيف.

وتجزم الأوساط السياسية المعارضة، نقلاً عن مصادر دبلوماسية عربية، أن لا مساعدات للبنان، إلا من خلال صندوق النقد الدولي، وبعدما تكون الحكومة الحالية، أو التي قد تشكل، قد استجابت لشروط الإصلاح، وقامت بما يتوجب عليها من التزامات، تطمئن الدول العربية والأجنبية، بأن لبنان ماض على طريق الإصلاح وتحسين صورته الاقتصادية والمالية في الخارج.