لا إدارة الرئيس بايدن، ولا زيارات وزير خارجيته الفارغة بلينكن، ولا حتى الأساطيل وحاملات الطائرات والبوارج الحربية الأميركية، ستغيّر في نمط الحرب التي يخوضها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ليس دفاعاً عن شعب ودولة الإغتصاب، بل حفاظاً على موقعه الحكومي ومستقبله السياسي، ولو أدّى ذلك إلى مواجهة دول العالم كله، التي تُطالب بوقف حرب الإبادة الجماعية في غزة، وتجنب الإنزلاق إلى حرب إقليمية طاحنة في الشرق الأوسط.
المفاوضات المتنقلة بين القاهرة والدوحة، هي من باب ذر الرماد في العيون بالنسبة لنتنياهو، الذي إفتضح دوره بالتعطيل المتعمد لإقرار «الصفقة»، للقريب والبعيد، وبدأت خلافاته مع الفريق الإسرائيلي المفاوض تظهر في الإعلام، ووصلت إلى حد إتهامه رئيس الموساد بالتنازل في المفاوضات والتساهل مع مطالب حماس ، كذا، في محاولة مكشوفة لنعي الجولة الحالية من التفاوض قبل أن تبدأ.
قضية الرهائن الإسرائيليين لا تعني نتنياهو شيئاً، بعدما أبلغ أهاليهم وبشكل مباشر، أنه في حال خُيّر بين محور فيلادلفيا وإطلاق الرهائن، فهو سيختار فيلادلفيا بدون تردد! وهذا يعني بوضوح أن رئيس الحكومة الإسرائيلية مستعد لتقديم عشرات الرهائن، ومئات الجنود على مذبح طموحاته الوهمية، وتمسكاً «بنرجسيته المفرطة»، على حد وصف أيهود أولمرت، رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق.
في حين أن النخب الإسرائيلية تتعامل مع مشكلة الرهائن، ليس من باب التضامن الإنساني مع عائلاتهم وحسب، بل، وهذا الأهم كما يظهر في المقالات المنشورة في الصحف والمواقع الإسرائيلية، كونها تتعلق بكرامة الدولة، ومصداقية الحكومة، والثقة بقدرات الجيش الإسرائيلي، الذي كان حتى عشية ٧ أكتوبر يُعتبر «الجيش الذي لا يُقهر».
مشكلة نتنياهو، التي تزداد تعقيداً مع إستمرار الحرب في غزة، والتصعيد الناري في الشمال مع لبنان، أنه يخوض حرباً دون أفق إستراتيجي، ودون سقف زمني محدد، ودون أهداف سياسية تحظى بدعم الأطراف الإسرائيلية في الداخل، ولا تأييد الحلفاء التقليديين في الخارج، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية.
ورغم مضي عشرة أشهر على الحرب، الأكثر وحشية في القرن الواحد والعشرين، لم يستطع نتنياهو حسم المعركة مع فصيل مسلح بمجموعة من المتطوعين، رغم الدعم العسكري غير المسبوق بأحدث أنواع الأسلحة وأشدها فتكاً من أميركا، ورغم الدمار الشامل للبشر والحجر في القطاع المقاوم. ومازال نتنياهو يتهرب من إستحقاق «اليوم التالي» للحرب، بسبب الخلافات التي تعصف بحكومته، وإصرار وزراء اليمين المتطرف على البقاء في غزة، والعودة إلى إنشاء المستوطنات على أراضيها.
ورغم العزلة الدولية التي تحاصر الدولة العبرية، وقرارات مجلس الأمن، وتحرك مؤسسات العدل الدولية، وقرب صدور مذكرات توقيف ضد نتنياهو والوزراء المتطرفين، ما زال رئيس الحكومة الإسرائيلية يعيش في أحلام شخصية ونستون تشرشل، بعيداً عن عالم الواقع المتردي الذي يتخبط فيه، بعد إتساع رقعة الإنقسامات الداخلية، وتراكم الخلافات مع بايدن وإدارته الحالية.
كل المؤشرات بأن خطة نتنياهو بجر المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة لن تنجح، لعدة أسباب، أهمها عدم وجود إستعداد عند الولايات المتحدة ودول المنطقة، بما فيها إيران، للدخول في مثل هذه المغامرة المجنونة، وتحمُّل تداعياتها المدمرة على مختلف المستويات.
الأساطيل الأميركية، وما يواكبها من عرض العضلات العسكرية في بحار المنطقة، هدفها ردع الإنزلاق إلى الحرب، وليس خوض المعارك الحربية بالنيابة عن الجيش الإسرائيلي. الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودول الخليج، أعلنوا معارضتهم للتصعيد الإسرائيلي الذي يهدد أمن وإستقرار المنطقة. إيران أعلن وزير خارجيتها الجديد حرص بلاده على تفويت الفرصة على نتنياهو لإشعال حرب شاملة في الإقليم، مؤكداً وعي طهران لعدم الوقوع في الفخ الذي ينصبه رئيس الحكومة الاسرائيلية. وحتى رد حزب الله أمس بقي ضمن قواعد الإشتباك، رغم التصعيد الإسرائيلي العدواني، بحجة توجيه «ضربات إستباقية».
يدرك نتنياهو أكثر من غيره، أن تمسكه بالبقاء في محور فيلادلفيا ومعبر نتساريم لا يعني إنتصاره في حربه الوحشية على غزة، لأنه لم يصل إلى الرهائن، ولم يستطع القضاء على حماس. ولكنه يناور لإفشال المفاوضات الحاسمة، وتمديد أمد الحرب، رغم كل الخسائر البشرية والإقتصادية، وتراجع مكانة الدولة العبرية في المحافل الدولية، متلاعباً بالوقت الضائع في الإدارة الأميركية، عشية إحتدام المعركة الرئاسية.
إنتهازي، قذر، مناور، مخادع، مغرور بفائض الثقة بنفسه، متكبر ويعيش في برجه العاجي، كما تصفه مقالات كبار السياسيين الإسرائيليين، ولكنه قبل كل ذلك «مجرم حرب»، يمشي على جماجم ضحاياه سواءٌ كانوا من شعبه أم من أعدائه.