< أمس، دشّن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في واشنطن، أضخم حملة دعائية لإيران. جدَّد دورها القديم- المقبل في المنطقة. ومن تشتمه إسرائيل يصبح بطلاً عند العرب والمسلمين. وهو ندّد بالاتفاق الذي تتفاوض عليه إدارة الرئيس باراك أوباما وإيران، وشن هجوماً على طهران في أهم مراكز صنع القرار الأميركي. بعض الصحافة الإسرائيلية بالغ في ترويج الحملة الدعائية، وكتب أن نتانياهو «أحرج الرئيس الأميركي في عقر داره». وضخّمت الأخبار قصة إهمال الإدارة الأميركية خطاب نتانياهو أمام الكونغرس، بانشغال الرئيس بمحادثات هاتفية، وغياب وزير خارجيته ونائبه، ومقاطعة نواب جمهوريين خطابَه، وتضامُن بعض وكالات الأنباء مع الحملة، ووصف خطة نتانياهو بأنها «تهدف إلى محاصرة الرئيس الأميركي ومنعه من التحرك بحرية في المفاوضات النووية مع إيران». من قرأ تغطية بعض الإعلام خطابَ نتانياهو في الكونغرس سيقول: صار أوباما مسكيناً في عيون العرب.
إذا كانت إسرائيل خائفة إلى هذا الحد من امتلاك إيران سلاحاً نووياً، لماذا لا توقفه بالقوة كما تفعل دائماً؟ إسرائيل شنّت هجوماً على مفاعل تموز «أوزيراك» العراقي، الذي أنشئ بالتعاون مع فرنسا خلال حكم الرئيس الراحل صدام حسين، على رغم أنه كان مجرد فكرة قياساً إلى ما تمتلكه إيران اليوم، ومع ذلك دمّرته إسرائيل بقصف جوي عام 1981. ما الذي يمنعها الآن من تكرار التصرف ذاته مع المفاعل الإيراني، مع علمها أن غير دولة في المنطقة ستسهّل، بل ترحّب بالمهمة أو تتغاضى عن تنفيذها؟ لماذا تلجأ إلى الشكوى وهي لم تفعلها سابقاً؟ نتانياهو يكذب، والإدارة الأميركية بكل مؤسساتها تعرف أنه يسوِّق مشروعَ طهران. واشنطن ليست لديها مشكلة مع امتلاك إيران سلاحاً نووياً، وهو -من وجهة نظرها- سيشكل توازناً مع سلاح باكستان النووي الذي تم بتمويل سعودي وغياب أميركي عن تفاصيله. طهران كانت ولا تزال شرطيَّ الغرب في المنطقة، والمفاوضات الجارية ليست من أجل رفض امتلاكها سلاحاً نووياً، بل من أجل توقيت اختباره ومقايضة ثمنه.
إسرائيل كانت تزوّد الجيش الإيراني أسلحة وقطع غيار وذخيرة خلال الحرب العراقية- الإيرانية. أصرف النظر عن هذا، وأفترض أن ما كُتِب في تلك الفترة مجرد أخبار لا تستند إلى مصادر. مَنْ منا يتذكّر موقفاً واحداً يشير إلى أن إيران عدو لإسرائيل؟ إيران ليست عدواً لها، وكل ما فعلته منذ قيام الثورة الإسلامية هو عمل دعائي كان أبرز أمثلته إعطاء منظمة التحرير مقر السفارة الإسرائيلية في طهران، وهذا التصرف ليس تأييداً للقضية الفلسطينية، وإنما تعويض معنوي لمنظمة التحرير التي درّبت كوادر الخميني وسلّحتهم ودعمتهم من أموال الثورة الفلسطينية لأنهم أعداء الشاه، حليف إسرائيل. ولاحقاً، صمتت طهران حين كانت غزة تقصف بنيران الطيران الإسرائيلي وصواريخه.
الأكيد أن إيران لم تتغيّر منذ عهد الشاه، اختلف الخطاب، تغيّرت الوسائل واستمر الهدف. إيران تمارس المهمة ذاتها منذ عهد الشاه، وهي رُقِّيت اليوم من رتبة شرطي إلى رتبة عميد. العالم العربي محاط بمثلثٍ أضلاعه طهران وأنقرة وتل أبيب. هذا التوصيف موجع لبعضهم، ولكن تأمّلْ تفاصيل علاقة الضلعين مع إسرائيل وستُدرك أنه أصبح مثلثاً يشدّ بعضه بعضاً، سياسياً وعسكرياً.