قيل لي: أنت تضرب سيفك في الهواء، فمهما كتبت عن الفساد والفاسدين والإرتكاب والمرتكبين وعن النفايات والزّبالين، مهما عنهم كتبت، ومهما بهم ندَّدْت، فإنهم لن يسمعوا ولن يفهموا، كأنما أنت تخاطب أجساداً محنّطة محفوظة في برادات المستشفيات غبّ الطلب.
قلت: سأظل أكتب عنهم، عن فسادهم وانحرافهم وممارساتهم ومذلّاتهم وضلالهم الوطني والأخلاقي… وما همّ إنْ فهموا، أو لم يفهموا.
أنا من واجبي أن أكتب لمن يفهم، وليكن من واجبهم ألا يفهموا، وقديماً قال شيشرون: إنه لا يخاطب الجمهور بل يخاطب التاريخ، مثلما قال شاعـر عربي:
عليَّ نحْتُ القوافي من معادِنها وما عليَّ إذا لم تفهمِ البقَرُ
نعم… سأظل أكتب عنهم… ومن واجبي أن أحمل المرآة أمام وجوههم، وليكن من واجبهم كسر المرآة… ولكن سيبقى الوجه… وتبقى البشاعة.
هؤلاء الذين دخلوا بوابة الحكم، يفترض أن يدخلوا بوابة المحكمة.
والذين دخلوا بوابة المجلس النيابي بقانون الباب العالي وباب تزوير إرادة الشعب بالتمديد، يفترض أن يدخلوا بوابة المجلس العرفي.
وأولئك الذين يتربعون سعيداً على مقاعد الزعامات الإقطاعية والميليشياوية والحزبية، فبدل أن يكونوا كلهم للوطن، أصبح كل منهم يريد الوطن كلَّه له، وأصبح لكل منهم: لبنانه الخاص ودولته الخاصة ودستوره الخاص وجيشه الخاص، وعلَمُهُ الخاص ونشيده، ومستشفاه المذهبي ومدرسته المذهبية ومصرفه المركزي الخاص، وزواجه المذهبي الحصري.
ونتيجة انقسام الصف، وبعثرة الشمل، وضياع المسؤولية، وشرود الذهن الوطني، وتقسيم السلطة، وانهيار الدولة وإطاحة الدستور، وتفريغ المؤسسات، أصبح لبنان النموذجي، لبنان درَّة الشرقَينِ وطناً للنفايات ومجموعة من الخيام المبعثرة على رمال الصحراء.
يقول مثل ألماني: تدفع أمَّةٌ بكاملها ثمنَ عمل مجنون يقوم به رجل واحد… فيما لبنان يدفع ثمن أعمال مئات المجانين من أبنائه، ورغم كل الفواجع المآسي لا يزال المجانين يستمرون بالغيّ فلا يخافون ضميراً ولا يرهبون إلهاً ولا يهابون حساباً.
لا… لا، فلا تطمئنُّوا… لقد ذكرت صحيفة البرافدا السوفياتية أنه بعد انقضاء أربعة عقود على الحرب العالمية الثانية، قُدِّم عدد من السوفيات الى المحاكمة بتهمة خيانة وطنهم لحساب المانيا الهتلرية وتم إعدامهم بالرصاص.
يُنشر استثنائياً مقال الوزير السابق جوزف الهاشم اليوم السبت بدلاً من يوم الجمعة من كل أسبوع.