IMLebanon

حذارِ التلاعب برمزية جبل لبنان

 

 

إنّ ولادة الجمهورية اللبنانية في 1 أيلول من العام 1920 هي ولادة طبيعية ونتاج نضال البطريركية المارونية وسائر اللبنانيين الشرفاء مسيحيين ومُسلمين، والجمهورية اللبنانية رمزيتها هي محافظة جبل لبنان وحذار من التفريط بحدودها الطبيعية على ما يُحاول بعض المستغلّين العمل السياسي اليوم تسويق أفكاره الهدّامة الإنقسامية.

ليعلم من يجب أن يعلم أنّ جبل لبنان ليس هذه المساحة الجغرافية والسياسية التي تمّ تحديدها إبّان نظام حكم المتصرفية بعد الحوادث المؤلمة في العام 1860، ولا هي بقعة جغرافية محصورة في سلسلة الجبال الغربية، إنّ جبل لبنان التاريخي هو كل لبنان الحالي وأكثر.

 

ليعلم من يجب أن يعلم أنّ شخصية القائد التاريخي فخـر الدين شخصية بطولية أسطورية بإمتياز في ذاك الزمان نسجت حولها الكثير من الأفعال والمواقف الوطنية التي رسخّت هوية هذا الجبل المستقل في تاريخ لبنان المجيد. هوية فخر الدين الذي رسّخ الكيان اللبناني والذي حوّل الجبل مرتعاً للحياة والخصب وكرّس رمزية جبل لبنان في التاريخ اللبناني وهذه واقعة لا يمكن أن يتنكّرها الطارؤون على العمل السياسي.

ليعلم من يجب أن يعلم أنه في عزّ الثورة على الإنتداب الفرنسي كان جبل لبنان الركيزة الأساسية التي اعتمد عليها الموارنة في ذاك الزمان في تعاطيهم مع المستعمر الفرنسي حيث كانَ يُطلق عليه في حينه «جبل لبنان» كإمارة أو «قضاء مستقل» بهوية وطنية مختلفة، ولهذه الأسباب وليس غيرها كان هذا الجبل الأشّم نواة لوطننا لبنان المستقل، ولكن أتانا من يتناسى تاريخ جبل لبنان المجيد ليتحايل على رمزيته وعنفوانه تحت حجج واهية وتناسى أن جبل لبنان هو «أيقونة لبنان».

 

بعض وسائل الإعلام ونقلاً عن مرجع نيابي سابق تتناقل خبراً مفاده «فصل قضائي كسروان وجبيل» عن محافظة جبل لبنان، وبصفتي باحث سياسي وعضو PEAC للأبحاث، أعتقد أنّ لهذا الفعل أبعاداً أكبر بكثير ممّا يظهر، إذ ليس بخافٍ على أحد الصراع على مركز رسمي أو على زعامة معينة بهدف الإستثمار وتضليل الرأي العام كما كانتْ تجري العادة دونما تذكير القارئ الكريم بما طُرح في السابق من محاربة مرسوم التجنيس وبيع الأراضي التي بقيت دون حلول ناجزة لا بل زادت مراسيم التجنيس وإستفحلت عملية بيع الأراضي.

إنّ تحديد «منظومة الإستغلال السياسي» يُعرفها العلم السياسي بما يلي «الإستغلال السياسي هو إستخدام الأقطاب السياسية وسائل متعددة ومختلفة لتحقيق أهداف غير معلن عنها مستخدمين فيها البشر أو المصالح الخاصة أو تسويق فكرة مناقضة لواقعها لتحقيق مكاسبهم وتعظيم مصالحهم». إنّ من يُسوّق لفكرة فصل قضائي كسروان وجبيل عن جبل لبنان تتسم ذاكرته بميزتين أساسيتين: الأولى ضعف الذاكرة وثانيها إفتقاد المنطق.

الإستغلال السياسي Political abuse يُحددّ أيضًا في مجال «العلوم السياسية» عندما يقوم أحد السياسيين بتخريب العملية السياسية من أجل تعظيم مصالحهم الشخصية، هذا الشكل من الإستغلال قد يتضمن مثلاً «إستغلال حاجات الناس»، أو «إستعباد الأفراد» عبر الإستغلال التسويقي بهدف أراحتهم من مشاكل معينة في غالب الأحيان هم السبب الرئيس فيها. موضوع فصل قضائي كسروان وجبيل عن جبل لبنان من قبل البعض والتسويق له واقعة مؤلمة وخطيرة وطارح هذه الفكرة يستعمل حاجات الناس وهمومها وتنقلاتها كوسيلة لتحقيق مآربه وتسيء إلى رمزية جبل لبنان التاريخية بشكل أو بأخر.

ليعلم من يجب أن يعلم أنّ وثيقة الوفاق الوطني نصت على إعتماد اللامركزية الإدارية على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى القضاء وما دون وذلك لتمكين الجماعات المحلية من إدارة شؤونها الذاتية عن طريق مجالس منتخبة محلياً  إضافة إلى اللامركزية الإدارية.

أخشى من فصل قضائي كسروان وجبيل أن يكون تحايلاً على وثيقة الوفاق الوطني ويرد في كتاب «حماة الحق» نصاً نختصره بما يلي: لا جدال على أن الهدف الأسمى من سنّ التشريعات والقوانين هو أن يكون الجميع تحت طائلة القانون دون تمييز عملاً بمبدأ المساواة أمام القانون، ومع ذلك قد يعمد البعض إلى الإلتفاف حول القانون بإستخدام الحيل، الأمر الذي يترتب عليه إستغلال القوانين وعطف الناس بصورة غير مشروعة… لذا على كل الباحثين والمُشرّعين وأصحاب المقامات العلمانية والروحية أن يتصدّوا لمحاولات الغش والتحايل على القانون. وحذار التلاعب برمزية وقدسية وتاريخية جبل لبنان، وإلّا قد يصح ما قاله الشاعر مطانيوس ناعسي في كتابه «ضيعانك يا بلادي»: ضيعانكْ يا بلادي فينا يا عمّي كيف حاملتينا، طقش وفقش ونفشة ريش كذب وتلبيس طرابيش، والريِّسْ يسلم ويعيش ان كان منيح ان كان وحيش، أي والله ضيعانك فينا.

* كاتب وباحث سياسي