دخلت الساحة اللبنانية مدار الانتخابات النيابية مع انطلاق الحراك السياسي الانتخابي، وإعلان ترشيح شخصيات حزبية من بعض المناطق. وسط الازدحام بين المرشحين للوصول إلى البرلمان، تعود الأحزاب إلى النشاط مجدّداً في إطار الاستعداد لبلورة خارطة طريق انتخابية قبل أشهر معدودة على الاستحقاق النيابي المقبل. لكن صوت حزب الكتلة الوطنية ما زال غائباً وسط هذه الضجة القائمة، إذ يبدو وكأنه على الحياد بشكل مقصود، وذلك في لحظة داخلية دقيقة على كل المستويات.
وإذا كان الكتلويون ناشطين بصفة شخصية على أكثر من مستوى، فإن بيانات الحزب منقطعة بشكل تام، مع العلم أنها لم تغب سابقاً في أي مناسبة، وذلك على الرغم من الانتقادات التي يوجّهها هؤلاء لبعض الخيارات التي يتخذها أطراف في فريق 14 آذار، والذي كانت الكتلة جزءاً منها.
هل فرضت التسوية السياسية الحالية غياب الكتلة الوطنية عن المسرح السياسي؟ سؤال يتم التداول به خلال الأشهر الماضية في أوساط مناصري هذا الحزب العريق، كما أوساط الأحزاب الأخرى، ذلك أن حياد الكتلة أتى متزامناً مع دخول الساحة اللبنانية مرحلة جديدة بكل معنى الكلمة، وذلك في سياق التسوية الشاملة التي أدّت إلى إنهاء الفراغ الرئاسي وانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري، وإقرار قانون جديد للانتخاب.
عميد الكتلة الوطنية كارلوس إدة كان أصدر منذ اشهر قراراً يقضي بتعديل النظام الداخلي، وتقليص عدد أعضاء مجلس الحزب إلى 30 عضواً بعدما كانوا 60، وكذلك قرّر تغيير اللجنة التنفيذية. وقد فسّر مقرّبون من الحزب الواقع الحالي على المستويين الداخلي كما السياسي، بأنه يأتي انسجاماً مع رغبة بالبقاء على الحياد، والاكتفاء بمراقبة الوضع السياسي. كما أنه أتى نتيجة الرفض وعدم الرضى عن كل ما يجري وعلى كل المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
لكن هذا الغياب لا يعني أن الكتلة قد غابت، كما يوضح المقربون من الكتلة، إذ يؤكدون أنها باقية وراسخة في مبادئها التي لا تتغيّر ولو تغيّرت الظروف السياسية، فهذه المبادئ هي التي قام عليها الحزب منذ أيام مؤسّسه إميل إدة في العام 1943. وبالتالي، فإن هذه القيم لا تتماشى ربما في الأيام الحالية مع الواقع السياسي والحزبي في لبنان، اذ ان بعض الكتلويين يميلون إلى المشاركة في الحراك السياسي، وإلى التماشي مع التطوّرات التي تسجّلت داخلياً خلال العامين 2016 و2017 الجاري.
إزاء هذا التباين، يبدوأن التوجه الأساسي تركّز حول النأي بالنفس عن كل القوى السياسي الداخلية والخارجية، خصوصاً بعدما باتت المعادلة الداخلية مرهونة بالكامل لمحاور إقليمية ودولية. ولذلك يؤكد المقرّبون من الكتلة، أن هذا الحزب التاريخي العريق، موجود وصامد رغم كل المتغيرات، وهو يتريّث مكتفياً بترقب ما ستؤول إليه الأوضاع، مع الحرص على التمايز عن كل الأحزاب الأخرى، ولو كان في السابق حليفاً لها.
ومع انطلاق الاستعدادات للانتخابات النيابية المقبلة في المناطق كافة، وخصوصاً في جبيل وكسروان، هل ستبقى الكتلة على قرارها بالترقّب والانتظار؟
عن هذا السؤال، يجيب المقربون أنفسهم، أن المرحلة الحالية هي لدراسة كل الملفات الداخلية ومن بينها قانون الانتخاب، ولكن من المبكر التعاطي مع هذا الاستحقاق منذ اليوم. وأضافوا أن لبنان يبتعد عن أهداف الكتلة وأبرزها السيادة والعلمانية ودولة القانون والمؤسسات، وبات يذهب باتجاه الطائفية والزبائنية. وأكد هؤلاء أنه بين خيار أن تتغير الكتلة لتلحق بالنهج السائد وتلقح بالحياة السياسية من ناحية، أو تبقى على مبادئها ولو خسرت هذه المشاركة من ناحية أخرى، فهي تختار البقاء في موقع المراقب، رغم كل ما يحصل، وذلك انطلاقاً من قناعتها بأن الوقت ليس ملائماً للدخول في أي معادلات سياسية لا تتجاوب مع مبادئ وأهداف الكتلة، والتي تتمسك بها وتصرّ عليها رغم تبدل الظروف السياسية الداخلية والإقليمية والدولية.