IMLebanon

التوافق الوطني شراكة لا شركة

 

إنّ مبدأ التوافق الوطني هو المنطق الأسلم الذي يرفع مستوى العلاقات بين الأطراف المُكوّنة للوطن إلى مراتب عليا، ويُصنّف أهل الوطن بمصاف الشعوب المُتحضّرة، ويضمن للبلاد الأجواء المؤاتية لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. ويُشكّل في أغلب الأحيان خط الدفاع الأمتن لحماية البلاد من الأخطار التي قد تتهدّدها. ويتحقّق الوفاق بشكل أسهل وأسلس عند الشعوب المُتجانسة ثقافياً، والمتقّدّمة بإدارة أمورها وشؤونها، ويقوّي هذا الشعور فئاتها كافة في اللحظات المصيرية.

 

والتوافق الوطني شراكة كاملة يتطلّب تخلّي جميع الأطراف عن المشاريع الفئوية والسلطوية، للإندماج في مشروع وطني واحد، يؤمّن التوازن الثابت، ويُسقط محاولات الاستفادة من ظروفٍ معينة وظرفية لتغيير الموازين. فالتوافق الحقيقي هو التساوي بين كافة الأطراف بغضّ النظر عن العددية المتحوّلة، وهو الابتعاد عن العصبيات المُدعّمة بالايديولوجيات. والعصبية الوحيدة التي تتجانس مع التوافق الوطني تتمثّل بالتماسك العام تحت الدستور، والدفاع عن السيادة بوجه أي غازٍ أو محتلّ من دون أي استثناء أو أي تصنيف لنوعية المُعتدي.

 

ولاعتماد التوافق الوطني في لبنان، من البديهي الاعتراف مُسبقاً بالتركيبة المتنوّعة الثقافات التي تُميّز لبنان، فالتركيبة الرسمية والسياسية تعكس بوضوح تشابك القناعات المتعدّدة وتعاونها أحياناً وتصادمها أحياناً اخرى، ولكن ما يجب أخذه دائماً بالحسبان، القاعدة المبنية على المحافظة على الشراكة الحقيقية وتجنّب الشركة التحاصصية. وفي كل مرّة يصطاد أحد الاطراف في الماء العكرة ويُحاول التمدّد في السيطرة على الآخرين، يؤدّي ذلك إلى مواجهات وحروب داخلية، وإلى السماح للقوى الخارجية باستخدام الساحات اللبنانية حلباتٍ لصراعاتها ومراسلاتها الميدانية.

 

إنّ الجشع السلطوي والفسادي هو العامل الأكثر خطراً على الشراكة الوطنية، وإنّ التوافق المتوازن والابتعاد عن المشاريع الفئوية المُستمدّة من الخارج هما العامل الأقوى بوجه الشركة.

 

في السنوات الاربعين الماضية من تاريخ لبنان الحديث، استطاع مشروع «الثورة الاسلامية» بطبعته الفقهية الايرانية التسرّب إلى الداخل اللبناني، وأقام، بدعمه السلاحي والمالي والتقني والمعنوي، وكيلاً لبنانياً له، وتمكّن من فرضه على التركيبة اللبنانية، مُسقطاً من خلاله امكانيات التوافق الوطني الحقيقي، ومُدخلاً البلاد في حفلة تكاذب وجولات تجهيل ونفاق متمثّلة بحواراتٍ صورية، تحاصصية، مترافقة مع مفاوضات ترغيبية وترهيبية، ومع بيانات ثلاثية تدميرية، ما أدّى إلى تحويل الشراكة اللبنانية شركة من الفساد، بتعاون سلطوي مع المشروع الغريب عن الثقافة اللبنانية.

 

إنّ معارضة معظم اللبنانيين لمشروع «حزب الله»، تنقّلت من مرحلة اتهامه بالقيام بالاغتيالات لقادته، افساحاً بالمجال لاتمام مشروعه لنشر الثورة في لبنان كتتابع لنشرها في المنطقة العربية، إلى القبول بالتفاهم معه ذوداً عن السلم الأهلي وإبعاداً للبنان عن العنف والمواجهات والصدامات، إلى التفاهم معه على تشكيل الحكومات الجامعة، وإلى اصدار البيانات المُخضعة للقرار اللبناني الرسمي له ولمشروعه. وبالاضافة إلى عدم الاقتصاص من «حزب الله» واستفادة معارضيه من ظروف حرب 2006، فقد حرِصوا على احترام الشراكة في أحلك الظروف. في المقابل، عمل «حزب الله» على الغدر بهم والخداع بالشركاء والاحتيال على المقرّرات التوافقية، فأصبحت المعادلة الوطنية، أي توافق وطني تطرحه المعارضة، يعتبر من قبله خطوة عدائية، وكل شروطه الفئوية يعتبرها أوامر وتعليمات، وأي معارضةٍ لارشاداته، تُعتبر خيانة.

 

ضربَ محور المُمانعة مفاهيم التوافق الوطني والشراكة، وفرض مكانها معادلات القوة والتحايل، والشركة، فأدخل لبنان إلى أجواء المغامرات التي عزلته عن العالم الحرّ، والتفجيرات والانهيارات التي صنّفته دولة غير آمنة، فخسر بذلك مكانته الدولية والاقليمية، وأصبح من دون خط حماية ودفاع عن شراكته. إنّ للتوافق شروطه، ولا يكون بشركة فسادية مع مشروع الدويلة، وليكن فقط بشراكة وطنية وتوازن باللامركزية الصادقة، وكفى حوارات كاذبة.