هل كان «المجلس الوطني» لمستقلّي «14 آذار» مجرّد نكتة أو مسرحية، ومن هو هذا المخرج البارع الذي رتّب كل هذه الرحلة الفاشلة الى حدود اليأس بالذات؟ سؤال يختصر أسئلة أكثر وأعمق من مجرّد التحليل يطرحه أكثر من ناشط في قوى «14 آذار»، التي لم يعد ينشط فيها سوى الناشطين، على قلة نشاط، وقلة أمل، والسبب هذه المرحلة ليس «حزب الله»، بل هو كامن في داخل تركيبة قوى «14 آذار»، وتوازناتها المهتزة.
الرحلة تبدأ مع منسق الامانة العامة لقوى «14 آذار» الدكتور فارس سعيد، الذي طرح منذ العام 2009 هذا المجلس، ونجح بشق النفس في العام الماضي بوضع هذه القوى امام مسؤولية إنشائه لتبدأ بعدها سلسلة اجتماعات ماراتونية، من لجنة شكلت لهذه الغاية ووصلت الى طريق مسدود، حيث انسحبت «القوات اللبنانية» منها وطالبت المستقلين بتشكيل مجلسهم، وانسحب تيار «المستقبل» بداعي عدم الاصطدام مع «القوات»، ليتمّ الاعلان عن إنشاء المجلس في «البيال»، وتنتهي الرحلة بعد اجتماعات يتيمة.
السؤال الذي يوجّهه ناشطون ومشاركون في المجلس إلى سعيد، يتمحور حول هذا اللغز الذي أدى الى استنحار المجلس بعدما أعدت العدة لانطلاقه، فمن قرّر ختم المجلس بالشمع الأحمر ولحساب من؟
وكيف يمكن تصديق انّ كل هذا الجهد الذي بذله سعيد لولادة المجلس يمكن ان ينتهي بسكون وصمت؟ وكيف يمكن ألّا تعرف الاسباب الحقيقة لهذا الموت الطوعي، الذي لم يجد له أحد تفسيراً مقنعاً، الّا اذا كان التفسير مرتبطاً بحسابات لا يعرفها إلّا من هم ضمن دائرة لا تتعدى الشخصين.
يكفي بحسب هؤلاء الناشطين تتبّع ما حصل بعد استنحار المجلس الوطني، لتلمّس جزء من الاسباب التي أدّت الى طيّ صفحته. ففي مرحلة وصل فيها الفراق داخل «14 آذار» الى حد الخلاف السياسي على كل شيء من الانتخابات الرئاسية الى قانون الانتخاب الى تأليف الحكومة ونتائج هذا التأليف، وصولاً الى ترشيح الرئيس سعد الحريري النائب سليمان فرنجية، وترشيح الدكتور سمير جعجع للعماد ميشال عون، يكفي كل ذلك للتيقّن بأنّ الفراغ داخل «14 آذار»، كان هو المطلوب، لكي يتم تمهيد الملعب، لإزاحة كل القوى المزعجة التي تملك بالصوت حق الاعتراض على هذه المسارات.
فلو كان المجلس الوطني حاضراً وفاعلاً، هل كان أحد يتصوّر أن يذهب الحريري الى ترشيح فرنجية، أو ان يذهب جعجع الى ترشيح عون؟ ولو كان المجلس الوطني حاضراً، هل كان طريق القوى الحزبية مُعبّداً على هذا النحو، للذهاب باستسهال الى تعطيل «14 آذار»، الذي أنتج اصطفافاً طائفياً يسجل للمرة الاولى منذ انطلاق «ثورة الاستقلال»؟
بالتأكيد لا، يردد الناشطون الفاقدو الشهية لمزيد من بذل النشاط، ويسألون منسق الامانة العامة الذي أوقف اجتماعاتها بسبب فقدان القدرة على إنتاج اي موقف جرّاء الخلاف في الخيارات بين مكونات «14 آذار»: لماذا بذلت كل هذا الجهد لإنشاء المجلس الوطني، ثم أطفأت المحركات عند الانطلاق؟
ويضيفون: أليس المجلس الوطني اليوم، لو سمح له بأن يكون موجوداً، هو الاطار القادر على تشكيل دينامية 14 آذار 2005، وكيف يمكن التضحية به، ولحساب من، وهل تملك مفتاح المحرك الذي انطفأ، أم أنّ أحداً أطفأ هذا المحرك، وسحب المفتاح، ووضعه، في خزنة مقفلة؟.
عطّل المجلس الوطني نفسه بنفسه، بقرار خلفياته معروفة ونتائجه مؤكدة. لقد خَلت الساحة إلّا من المتبارين في اتجاه نسف ما تبقى من مشروع «14 آذار»، وها هي أجندة ثنائية من هنا وثلاثية من هناك، تتباريان، ركضاً نحو اشتباك اسلامي – مسيحي، يعيد لبنان الى ما قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وها هو فارس سعيد وتوأمه سمير فرنجية، ينكفئان الى ما قبل مرحلة إنشاء لقاء قرنة شهوان.
هو انكفاء يحمل في دلالاته كثيراً، فهو يحصل على إيقاع بداية انهيار في الثوابت المؤسسة للعيش المشترك، الذي كان المجلس الوطني سيحمل أمانة الحفاظ عليه، لو لم يختف مفتاحه ويوضع في خزنة محكمة الأقفال.