على أبواب الذكرى العاشرة لـ 14 آذار، يحلم فارس سعيد باستعادة «الزمن الجميل» لـ»ثورة الأرز». يريد نائب جبيل السابق تجديد شباب أمانته العامة بـ»مجلس وطني»، فيما يرفض الكتائبيون والقواتيون السماح له بالاقتراب من «الرأي العام»!
يصعب على منسّق الأمانة العامة لفريق 14 آذار، فارس سعيد، أن يعدّد «الإنجازات» التي أحرزتها «مملكته» الصغيرة طوال الأعوام الماضية. وهو، وإن تقبّل بعض الأخطاء وأقرّ بها علناً مرّات عدّة تحت عنوان النقد الذاتي، لا يهضم أن تحلّ الذكرى العاشرة لانطلاق «ثورة الأرز» ويطلّ على جمهورها فارغ اليدين.
لذلك كان اللجوء، عشّية الذكرى، إلى إحياء مشروع «المجلس الوطني لـ 14 آذار»، بعد أن خُنق في مهده قبل ثلاث سنوات بأيدي الأحزاب الآذارية نفسها. يأمل سعيد من المجلس، في حال إبصاره النور، بتزييت «زنبرك» 14 آذار الذي علاه الصدأ في عهد «الأمانة العامة». لكن حسابات حقله يبدو أنها لا تطابق حسابات بيدر حزبي الكتائب والقوات اللبنانية اللذين قابلا فكرة المجلس بفتور.
عندما طرح منسق الأمانة العامة فكرة المجلس الوطني، سابقاً، جوبه باعتراض من تيار المستقبل والكتائب والقوات. ارتابت قيادات الصف، يومها، من محاولة سعيد فرض الفكرة عليها. فهو أعلن الأمر من دون تنسيق معها. بعث برسله إلى معراب وبكفيا وبيت الوسط فسمع جواباً سلبياً، نتيجة خشية من أن يكون النائب السابق يريد وضع الرأي العام الآذاري والكوادر الاستقلالية في مواجهة الأحزاب الكبيرة. هذه المرّة، حصّن سعيد نفسه، فلجأ إلى إجراء احترازي بعقده خلوة جمعت ممثلين عن كل مكوّنات فريق 14 آذار. في الخلوة، أفرغ نائب جبيل السابق كل إحباطاته من الطريق الذي سلكته «الانتفاضة» ووضعها في «المستنقع الحزبي والطائفي الذي رفضته بالكامل».
طوال ثلاث ساعات من النقاش، جاهد سعيد لإقناع الحاضرين بضرورة إحياء الفكرة والسير بها «لتأكيد صوابية خيارات الآذاريين ورهاناتهم السياسية التي أثبتت المحطات المختلفة فشلها نتيجة عدم إلتزام المكونات بها». ولتعزيز حجّته، استعان بالذكرى العاشرة، فأشار إلى أن «إصدار الوثائق السياسية واحدة تلو أخرى لم يعُد نافعاً أو كافياً، لأنها ستنام إلى جانب ما سبقها في الأدراج». طمأن بأن المجلس الوطني «سيخلق اطاراً موسعاً يضم حزبيين ومستقلين، وقادة رأي في لبنان وبلدان الانتشار، ووليست مهمته أن يقرر سياسة 14 آذار بل يشرف عليها»، ولم يبد أي منهم خشية من أن تكون «مهمة المجلس مراقبة الأحزاب والقوى فيها وإصدار توصيات ذات سلطة معنوية، لا تلزم القيادات بأي شيء
غير أن كل ذرائع سعيد وقوة حججه لم تنجح في إشعال الحماسة الكتائبية والقواتية، رغم أن تيار المستقبل ممثلاً بالرئيس فؤاد السنيورة كان مؤيداً ومناصراً. قابل الحزبان الفكرة بالبرودة نفسها، «وإن كان لأسباب مختلفة هذه المرة»، على حد قول أحد المشاركين في الخلوة. قلّة الحماسة هذه لمسها مؤيدو المجلس له من خلال «مداخلات القواتيين والكتائبيين الذين شاركوا في الخلوة». بدا الحزبان أكثر واقعية في التعاطي مع «الطرح الطوباوي» في ظل «ضغط المعطيات السياسية التي تهتم بالراهن والظرف الموجود في البلد». وهذا يعني، في رأي الحزبين، أن «المجلس سرعان ما سيتحول الى صورة طبق الأصل عن الأمانة العامة لفريق الرابع عشر من آذار، وإن كان بمضمون مختلف». وسألت المصادر: «ما الذي يُمكن أن يحقّقه المجلس الوطني لفريقنا، وما الفرق الذي يُمكن أن يحدثه، وهل هو قادر مثلاً على إسقاط حكومة في الشارع؟».
قناعة القوات والكتائب بعدم جدوى المجلس أكبر من حجج سعيد. الطرفان يؤكدان أنهما لم يرفضا الفكرة تماماً، «لكننا لسنا مؤمنين بها أو بصوابيتها» على ما تقول المصادر التي تذهب إلى حدّ التشكيك بأن «سعيد يريد دوراً أكبر من الدور الذي يمارسه من خلال الأمانة العامة»، على اعتبار أنه «سيرشح نفسه لرئاسة المجلس»، إذ إن «الرجل يبحث عن مساحة أوسع تتيح له التعاطي مع الرأي العام مباشرة».
أحلام سعيد بالعودة إلى «الزمن الجميل» يبدّدها انشغال القوات بأحلام أكبر، كما يبدّدها استمرار غياب الكيمياء بينه وبين الكتائبيين رغم عودتهم إلى الأمانة العامة بعد إنقطاع طويل. فهل تعطّل عصي الحزبين دواليب مجلسه المقترح أم يتركونه لمصير ترسمه التطورات المقبلة؟