في الذكرى العاشرة لـ 14 آذار، احتفال متواضع وشعارات ممجوجة تشير إلى انفصال عن الواقع ومولود جديد اسمه «المجلس الوطني» ليس مفهوماً الفارق بينه وبين الأمانة العامة لـ 14 آذار التي علاها الصدأ!
بصعوبة كان الرجل على الكرسيّ المتنقّل يُحاول المرور فوق جسر صغير للولوج إلى عالم 14 آذار المتبعثر. لكنه، على الأرجح، أكثر إيماناً بهذه الحركة من النائب السابق مصطفى علّوش الذي ربّتَ كتفَه، تحيةً له على هذا المجهود. الانتشار الأمني في محيط البيال، أول من أمس، كاد أن يكون أشبه بنزهة للعناصر الذين انتشروا على طول الطريق المؤدية إلى قاعة «بافيون – رويال». مشهد لا يتماشى مع التهديد الأمني الذي يقضّ مضاجع الآذاريين من «مخططات الاغتيال». على المداخل، كان بارزاً، أيضاً، غياب الإجراءات الأمنية المشدّدة.
الدخول بلا تفتيش ولا حتّى إبراز بطاقة تعريف! وهذا له تفسيران: إما أن التقارير الأمنية المُعلنة مبالغٌ فيها، وإما أن جماعة 14 آذار «ما عاد حدا قابضهن جدّ». ولعلّ التفسير الثاني هو الأقرب إلى التصديق، إذا ما قارنّا واقع المكوّنات الآذارية في ذكراها العاشرة، مع مشهد المنطقة وتطوّراتها.
كان منسّق الأمانة العامة فارس سعيد على الباب مستقبلاً «ضيوفه»، أشبه بوالد «العروس». القلق كان واضحاً في عينيه، ليس نتيجة هاجس أمني، بقدر ما كان ترقباً لاستجابة المدعوين إلى مبايعة مشروع «المجلس الوطني». لكن سرعان ما انفرجت أساريره مع دخول النائب سامي الجميّل، ومن بعده الرئيس أمين الجميّل، فظهر أكثر ثقة بنفسه، وهو يتلفّت وكأنه يريد من الجميع أن يفهم: حتى خصومي في 14 آذار لم يخذلوني. الغمرة القوية التي منّ بها الجميّليان عليه زادته اطمئناناً على مستقبل مولوده الجديد!
في خلفية القاعة الداخلية، حيث توزّع المؤتمرون، شعار 14 آذار موقّع بتاريخين: انطلاقة «انتفاضة الاستقلال» عام 2005، و2015 المرجّح أن يكون نهايتها! تاريخان لا قاسم مشتركاً بينهما سوى الرقم 5، وذاكرة يسعى سعيد إلى ترتيبها بعدما «شلّعتها» المصالح الضيقة للمكونات الآذارية، تحديداً الحزبية منها. لا يُمكن الشخصيات التي «سُجنت» ساعتين في خلوة بعيدة عن عيون الإعلام تجاهل الواقع. هذا الفريق الذي كان محطّ اهتمام العالم منذ عشر سنوات، توقّف العالم عن متابعته: ما عاد أحد مهتماً بصراخهم المتواصل ضد سلاح المقاومة، أو لدعواتهم المتكررة لانسحاب حزب الله من سوريا، فيما باتت المحكمة الدولية عرضاً تلفزيونياً مملاً لا جمهور له.
حتى السنيورة الذي تلا البيان بحدّة بدا غير مؤمن بما يتلوه
العالم اليوم منشغل بـ»داعش» والعراق واليمن، وحتى الحليف الأميركي الكبير اقتنع أخيراً بما لا يريد ميشال معوض الاقتناع به: لا حل إلا مع بشار الأسد! وحده الرئيس فؤاد السنيورة الذي دخل مكفهر الوجه، ظهر غير مقتنع بكل تلك الشكليات، ولا حتى بمقررات البيان الختامي التي تلاها هو بنفسه بنبرة حادة. إذ يعلم السنيورة، في قرارة نفسه، أن «زميله» في التيار نادر الحريري الذي جلس في مكان بعيد عنه، قادر على أن يبرّر في جلسة حوارية واحدة لوفد حزب الله أن ما سمعه ليس أكثر من «فقاعات في الهواء»!
ورغم كل التجارب التي باءت بالفشل، يُسجّل لهذا الفريق أنه يحاول، ولا ييأس كما قال رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. لكن «سكرة» الآذاريين بـ»المجلس الوطني» ستتبدّد حتماً، حين يجدون أنفسهم مطالبين بتقديم حلول للمشاكل التي رافقت «ثورتهم» وأدت بها إلى الأفول. وهي مشاكل لا تنفع في حلها كثرة الشعارات التي لم يؤد العمل بعكسها إلا إلى فقدانهم المزيد الصدقية، والمزيد من انفضاض الناس من حولهم.
مشهد 14 آذار في ذكراها العاشرة تختصره جملة ساخرة أطلقها أحد الموجودين، في انتظار ما سيرشح عن المؤتمر، بالقول: «الجماعة فاضيين… خلّيهن يتسلّوا»!
حزب الله و«مزحة» المجلس: مع من نتحاور؟
رأى رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” السيد هاشم صفي الدين أن “ما سمعناه بالأمس عن انبثاق المجلس الوطني من قبل فريق 14 آذار يجعلنا نفكر إن كان هؤلاء يمزحون أم هم جديون. فإن كانوا جديين، فهم بذلك يريدون أن ينعوا الحكومة اللبنانية القائمة التي هم فيها الأغلبية، وإن كانوا يمزحون ــــ كما هي عادتهم وكما هو الأرجح ــــ فإن الحكم للناس، وكل هذا الكلام لا طائل منه على الإطلاق”. ورأى أن “اللبنانيين لم يعرفوا من هؤلاء على مدى كل السنوات الماضية إلاّ الشعارات، والكلام الأجوف، والمعادلات الواهية، أما الأفعال فلم نرها، وإذا كان المجلس الوطني للأقوال والشعارات فهناك الكثير منه”. وتوقف عند تسمية المجلس التي وجد فيها “إيحاء للمجالس الوطنية الفاشلة”.
موقف صفي الدين ورد خلال رعايته لحفل تأبين الشهيد عصام شرتوني في ميس الجبل. من حولا المجاورة وفي احتفال تأبين الشهيد محمد غنوي، توقف رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد عند إطلاق المجلس الوطني ومواقف المتكلمين في المهرجان الذي أقيم في الذكرى العاشرة لـ 14 آذار. ووفق معادلة “بعد أن رجع الناس من الحج”، رأى رعد أن “هناك من يشكل مجالس وطنية في لبنان”. مع ذلك، فـ “إننا واعون لكل ما يخطط له البعض في لبنان أو في خارجه. فلا يغرينا تشكيل مجالس وطنية ولا يخيفنا رفع شعار العبور إلى الدولة”. وفي إطار انتقاده للمواقف التي صدحت من البيال، تساءل رعد عن معنى “أن ندخل في حوار وتبقى ألسنة السوء تتطاول على المقاومة ومشروعها. فإما أن نخوض حواراً وسط أجواء هادئة ومنضبطة، وإما أن نعرف مع من نتحاور”.