Site icon IMLebanon

محطّة للتأمّل أم يوم حِدَاد وطني؟ “13 نيسان” ليس وحده بل سبقته تواريخ…

يستحق تاريخ 13 نيسان أن يكون يوم حداد وطني لا أكثر ولا أقل، لأنه شهد “افتتاح” الحروب الصغيرة والكبيرة في لبنان وعليه، وكانت “حرب السنتين” التي ارتبط اسمها بذلك التاريخ الأولى في سلسلة محطات وحروب لاحقة: دخول القوات السورية نهاية عام 1976 تحت مسمى “قوات الردع العربية”، 1978 اشتباكات في الفياضية بين الجيش اللبناني والقوات السورية وتوسع دائرة القصف إلى العاصمة ومناطق عدة، في العام نفسه، الاجتياح الاسرائيلي الأول واعلان “دويلة” في الشريط الحدودي، 1979 – 1980 حرب المئة يوم بين قوات “الجبهة اللبنانية” والقوات السورية، 1982 الاجتياح الاسرائيلي الواسع الذي وصل الى العاصمة اللبنانية، 1983 – 1984 “انتفاضة 6 شباط” ضد حكم الرئيس أمين الجميل، 1985 – 1986 توتر اثر توقيع “الاتفاق الثلاثي” بين الأحزاب المسلحة برعاية سورية في دمشق، ومعارك طاحنة في الشطر الشرقي من العاصمة بين مسلحي “القوات اللبنانية” الموالين لإيلي حبيقة أحد موقعي الاتفاق، والآخرين الموالين للرئيس الجميل وسمير جعجع، 1988 اندلاع ما سمي “حرب التحرير” التي شنها القائد السابق للجيش العماد ميشال عون ضد الجيش السوري في لبنان تحت عنوان “تحرير لبنان من الاحتلال السوري”، وبعدها مباشرة عام 1989، اندلاع حرب تحت اسم آخر هو “حرب الالغاء” وقد شنها عون على “القوات اللبنانية” التي كانت بقيادة سمير جعجع. وبعد “هدنة” استمرت نحو ثلاث سنوات في اعقاب التوصل الى “وثيقة الوفاق الوطني” لإنهاء الحرب في الطائف بالمملكة العربية السعودية، كان العدوان الاسرائيلي عام 1993، وفي العام 1996 عدوان آخر تحت عنوان “عناقيد الغضب”، وصولا الى عدوان آخر مماثل في تموز 2006، وقد جاء بعد نحو عام على بداية مسلسل جرائم قتل واغتيال ليس مكان الدخول فيه ضمن هذا السياق، وقد بدأ عام 1977 باغتيال كمال جنبلاط وكان آخر ضحاياه الشهيد محمد شطح…

وفي حديث التواريخ، شكل يوم 7 أيار 2008 محطة أخرى في سجل الحروب الكبيرة والصغيرة، وقد انتهى بسيطرة لـ”حزب الله” وانكفاء لـ”تيار المستقبل” وتسليم مراكزه في العاصمة للجيش. وكل ذلك الى تواريخ وحروب “غب الطلب” انتقلت لاحقاً الى طرابلس على ضفتي شارع سوريا بين جبل محسن وباب التبانة، واستمرت في تواريخ متعددة قبل اندلاع الحرب السورية عام 2011 وبعدها، بالاضافة الى احتكاكات واشتباكات سريعة، وقيام ميليشيات عائلية في بعض الحالات (آل المقداد في الضاحية الجنوبية) وبشكل علني، و”تفريخ” تنظيمات مسلحة صغيرة ترعاها الاحزاب المسلحة القوية، كانت الحاجة إلى وجودها ايام الحروب السابقة تحت عنوان “العناصر غير المنضبطة” وكانت في الثمانينات ونهاية السبعينات تحت عباءة “منظمة التحرير الفلسطينية – حركة فتح” او القوات السورية والمنظمات الموالية لها، وابرزها “الصاعقة” و”القيادة العامة”. وما بين الحروب الصغيرة والكبيرة استمرت مؤسسات الدولة بالترهل وقد بلغ ذروته قبل نحو عام بعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية نتيجة ضغوط اقليمية و”ترجمة” محلية…

وإنصافاً لـ”13 نيسان”، ينبغي التذكير بأنه لم يكن وحده، أو الأول لإعلان بدايات الحروب، بل أن ثمة محطات أخرى وإن بوتيرة أخف، كانت تؤشر لقرب الانفجار، أبرزها ما عرف بــ”ثورة 1958″ التي انتهت بانتخاب فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية خلفا للرئيس كميل شمعون، ومن التواريخ البارزة قبل 13 نيسان 1969 الذي انتهى بتوقيع “اتفاق القاهرة” بعد توتر بين مسلحي المنظمات الفلسطينية والجيش اللبناني، وكذلك عام 1973 كان “اتفاق ملكارت” بين الطرفين بعد توتر واشتباكات بالمدفعية، وفي العام نفسه هجوم كوماندوس اسرائيلي ليلي على احد شوارع بيروت واغتيال ثلاثة من القادة الفلسطينيين البارزين.

إذاً لم يكن 13 نيسان سوى محطة للاعلان “رسمياً” عن اندلاع الحروب المتتالية ومعظمها تحت عناوين محلية، ولكنها لم تكن سوى “ترجمة” لعناوين أخرى اقليمية ودولية، بدءاً بـ”حلف بغداد” و”التوطين” و”الوطن البديل” مروراً بالتمهيد لعدوان اسرائيلي وتحضير الأرضية الصالحة له، وصولاً إلى عناوين ذات طابع داخلي أبرزها “الغبن” تارة و”الخوف” تارة أخرى… بهذا المعنى يتحمّل اللبنانيّون مسؤولية كبيرة في تأجيج الحروب المتفرقة، إذ ان طرفي النزاع كانا جزءاً من “عدة الشغل” فيها ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. وأسوأ ما في استذكار 13 نيسان هو انه يكشف حجم التراجع والهبوط المستمر في مستويات العمل السياسي والحزبي، وقد بات طائفياً ومذهبياً بعدما كان سياسياً بين كتلتين دستورية ووطنية قبل 63 عاماً!

13 نيسان يجب أن يكون: إما يوم حداد وطني وإما محطة للمراجعة وإحصاء مكامن التراجع والهبوط وسبل مكافحتها تمهيداً للبدء ببناء الدولة!