Site icon IMLebanon

تمديد الدعوة الى الحوار: “تعى ولا تجي”؟!

 

توقّف المراقبون أمام شكل ومضمون المخرج الذي اعتمده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لجهة تركه باب الدعوة الى طاولة الحوار مفتوحاً بلا سقف، فرأوا فيه عبوراً آمناً لحقل من الالغام زرعه اهل البيت قبل الخصوم. فهو كان امام خيارين: إمّا الإصرار على هذه الدعوة بمَن حضر كما اراد البعض او الإستغناء عنها قبولاً بموقف الرافضين، فتجنّبَ بذلك احتمال نسف ما تبقى من صِلات بين فريقه والحلفاء قبل الخصوم. كيف ولماذا؟

تعددت السيناريوهات المتداولة في الكواليس السياسية فور صدور بيان مكتب الإعلام في القصر الجمهوري الذي كشف عن موقف عون لجهة إبقائه دعوته الى طاولة الحوار مفتوحة من دون ان يحدد اي مهلة او سقف لها. والى المفاجأة التي قاد إليها الموقف ـ المخرج الذي ابقى ما يتصل بهذه الدعوة مفتوحاً على شتى الاحتمالات، فقد أوحى بوجود خيارات أخرى لدى رئيس الجمهورية وان تحديد الموعد بات رهنا بخطوة ما ينتظرها من اجل اعادة البحث فيها. لكنّ حال الانتظار لم تطل اكثر من ساعات قليلة ليتبين ان موقفه كان «الخيار الثالث» او «الحل الوسط» بين خيارين يمكن الإشارة إليهما بالآتي من المعطيات:

 

– الخيار الأول كان يقوده رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ومعه عدد من المستشارين، وهو الذي اعتمد على التصنيف الذي انتهت إليه المشاورات بوضع ثمانية اطراف وشخصيات قبلت الدعوة وأصرّ عليها سبعة منهم – باستثناء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي – ولو انتهت بمن حضر. وينظر هؤلاء ان البحث عن الميثاقية المذهبية والطائفية جَمّد البلد وعطّل العمل الحكومي منذ أكثر من ثلاثة اشهر وقاد الى التردد في اتخاذ كثير من القرارات التي كان يمكن في حال اتخاذها تجنيب البلد والعهد كثيراً مما اصابه من وهن. ولذلك، لا بد من اعتبار هذه الخطوة افضل من العودة الى الوراء ايّاً كان الثمن، علماً ان اصحاب هذا الموقف رفضوا الربط بين التجرية الجديدة وتلك التي انتهت إليها طاولة «25 حزيران 2019» التي جمعت من كان يمكن ان تجمعهم الطاولة الجديدة باستثناء رئيس تيار»المردة» سليمان فرنجية، والتي انتهت الى الفشل عندما لم ينفذ اي قرار من قراراتها.

 

– اما الخيار الثاني الذي قدمه فريق من المستشارين والأصدقاء فقد كان يفضّل صرف النظر عن الدعوة نهائيا وخصوصا في مثل الظروف الراهنة لأسباب عدة. وابرزها – لا بل اخطرها – ان تقود المناقشات على الطاولة الى اندلاع النزاع بين أبناء التوجّه الواحد من دون المَس بمصالح الفريق المعارض والوحدة التي عبّر عنها في موقفه من الدعوة في شكلها ومضمونها. واعتبر هؤلاء ان المتحلقين المحتملين حول الطاولة لم يجمعوا حتى اللحظة على كثير من العناوين المطروحة على جدول اعمالها؟ وهو امر لا يخضع للنقاش، فما شهدته الايام القليلة الماضية من مبارزات إعلامية وعروض سياسية وحزبية تناولت تجميد العمل الحكومي ومصير المحقق العدلي على الاقل خير دليل على ذلك. وانتهى أصحاب هذا الرأي الى التذكير بسلبيات الهجوم العنيف الذي شنّه باسيل من منبر قصر بعبدا بعد استشارته على كل من «الثنائي الشيعي» ورئيس الحكومة محمّلاً إياهم مسؤولية التعثر الحكومي وقضايا مختلفة فتحت جرحا جديدا في العلاقات المهتزة اصلاً معهم على رغم قبولهم دعوة الرئيس الى طاولة الحوار.

 

وعليه، وما بين الخيارين وجد رئيس الجمهورية نفسه في موقع لا يسمح له بالركون الى اي منهما، فبدأ البحث عن الخيار الثالث وكان القرار بالتريّث في تحديد الموعد وإبقاء الدعوة مفتوحة الى ما شاء الله. فهو لم يرهن موقفه بأي مهلة محددة تحتسب عليه لاحقا. ولكنه وفي الوقت عينه أصرّ على توجيه مجموعة من الرسائل في مختلف الاتجاهات وضعت الحلفاء وحلفاء الحلفاء والخصوم في سلة واحدة. فقد ثبت لديه بالوجه الشرعي عند القراءة الموضوعية للمواقف المختلفة وخلفياتها ان ليس هناك من «نواة صلبة» الى جانب العهد وان الفريق «مضروب» من اهل البيت قبل الخصوم. وهو ما يشكل خطرا اكبر على مسار ما تبقى من ولايته الرئاسية.

 

ولم يتوقف رئيس الجمهورية عند قراره باعتماد الخيار الثالث، امام بعض المحاذير التي يمكن ان تنعكس سلباً على مصير الطاولة والتي قد يطول انتظارها. من هذه الزاوية بالذات فهم مضمون البيان الذي لم يوفر احداً على الإطلاق وربما قد يشجّع على استمرار الحروب بين الجميع كلّ من موقعه وإلى أمد غير محدد. فدخول البلاد مدار الانتخابات النيابية سيسمح بما لا يمكن القبول به في ظروف عادية، وانّ المشاورات الجارية تحت الطاولة وفي الكواليس المقفلة لربما تضمن بعضاً مما يطالب به العهد وتحديدا في الانتخابات النيابية المقبلة في مواجهة مجموعة من الخصوم لا يستهان بهم عدا عمّا أصاب القاعدة الشعبية التي اهتزّت تحت اقدام كثير من أقطابه ان صدقت بعض الاحصائيات، وانه لا بد عندها من القيام بما هو غير مألوف لاستعادة البعض ممّا فُقد، لو انقادت البلاد الى خطاب مذهبي وحزبي متشدد قد تكون له مخاطر جمة على كثير ممّا هو مطلوب للخروج من مسلسل المآزق التي قادت اليها سياسات المنظومة.

 

وانطلاقاً مما تقدم، يتوقع المراقبون مزيداً من عملية شد الحبال، فالمواقف التي صدرت عن تيار»المستقبل» أمس الأول، بما حملته من انتقادات للعهد وصاحِبه، لن تقف عند حدود معينة. ولذلك تترقب الاوساط السياسية مزيدا من المواقف من ابناء الصف الواحد التي استغربت تجاهل رئيس الجمهورية استعدادها للمشاركة في الحوار على رغم سلسلة الملاحظات التي لا تقلّ حِدة عن مواقف الخصوم. وان الايام المقبلة ستشهد مزيداً من المواقف الحادة، ففتح الملفات المتصلة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة سيكون لها أثرها السلبي مهما تَهرّب البعض من تحمل المسؤولية تجاه هذه القضية.

 

ولذلك، وإن كان ميقاتي أصرحهم وأكثرهم سرعة في التعبير عن مواقفه تجاه المَس بحاكم مصرف لبنان والقطاع المصرفي، فهو يستعد ايضاً لمواجهة لا تقل ضراوة مع «حزب الله» في شأن رعايته المؤتمر الذي جمع «المعارضين في الجزيرة العربية» مستنداً الى دعم كبير من المجموعات السياسية والحزبية والاقتصادية ومن بينهم رئيس الجمهورية الذي سبق له ان تبرّأ من مواقف الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله داعياً الى التروّي في مثل هذه المواقف انتظاراً للمبادرات القائمة لترميم العلاقات مع الخليج العربي. وهو حاولَ كثيراً بعيداً من الاضواء الاعلامية استباق ما يمكن ان يقود اليه المؤتمر الذي استغلّ الذكرى السادسة لإعدام الشيخ نمر النمر في المملكة، للتعبير عن موقفه التصعيدي تجاهها في ظل معادلة اقليمية ودولية غير واضحة المعالم حتى اللحظة.

 

وبناء على ما تقدم، يبدو واضحا ان الدعوة الى طاولة الحوار تتجه الى دخول مدار النسيان وستبقى معلقة على مجموعة من النظريات والسيناريوهات أحدها الأكثر ترجيحاً يستند الى نظرية باتت تتحكّم بشكل الدعوى ومضمونها والغاية منها، والتي تقول «تعى ولا تجي».