بدأ مؤتمر الحوار الوطني في جلسته امس وكأنه بداية لنهاية لا بد منها للانتهاء من امور وقضايا يستحيل على المتحاورين الانتهاء منها، لانهم لم يطرقوا الباب الصحيح لولوجها، او لانهم لا يرغبون في التفاهم مع بعضهم البعض على المخارج اللازمة لذلك، خصوصا عندما يقال ان فلانا قد غاب لعدم قناعته بمجريات الحوار مع العلم ان العناوين الاساسية للحوار لم تقارب لاعتبارات سياسية ومصالح سياسية مثل موضوع رئاسة الجمهورية الذي كان ولا يزال الاساس الذي من الواجب على الجميع مقاربته لانه يشكل الحل الامثل لتعقيدات من عمر الازمة، اضف الى ذلك ان عمر الازمة الرئاسية يكاد يقارب السنتين، حيث لا مؤسسة من مؤسسات الدولة قد وجدت نفسها بمعزل عن الرئاسة الاولى!
وما يزيد الطين بلة ان الحوارات السياسية لم تجد الى الان ما يفيها غرض الانعقاد طالما ان وجهات النظر تكاد تشكل بدورها مشكلة مستعصية الحل، لان لكل طرف وجهة نظر مختلفة عن غيرها من امور الحكومة التي تبدو بدورها من الامور المتنازع عليها لاعتبارات سياسية وخاصة لم يجد احد من الان الطريق المثلى للوصول الى مقاربتها من النوع الذي شهده مؤتمر وزراء الخارجية على ما يجب الاخذ به وليس مجرد التمايز عن دول اخرى اثبتت التجارب عقم مساعيها عندما ارادت ان تكون مصالحها على حساب المصلحة العربية العامة التي تربطها بلبنان ضرورات سياسية واقتصادية (…)
ان البحث في من يحاور الداخل عمل اساسي وملح طالما ان الغاية منه تكريس المصلحة العامة، الا في حال كانت مصالح شخصية كما حصل في مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة، حيث ظهر وزير خارجيتنا جبران باسيل وكأنه طرف عندما رأى في تصرف حزب الله في البحرين مجرد وسيلة لخلق مشاكل من شأنها زيادة المشاكل بين العرب وليس العكس، خصوصا جراء معاناة الخلاف الايراني – السعودي على خلفية الاعتداء الايراني على السفارة السعودية في طهران، مع العلم انه لم يكن مطالبا بأن يأخذ وجهة نظر السعودية الا من خلال ما تربطها بلبنان من علاقة صداقة واخوة؟!
ان تذرّع باسيل بالعلاقة مع ايران عائد الى علاقة التيار الوطني بحزب الله حيال مسألة اساسية تتناول التدخل الايراني في الشؤون العربية الداخلية، مع العلم انه تذرع مبتور لا يتطابق مع مفهوم تقدم المصلحة الوطنية اللبنانية على الاجماع العربي، لمجرد ارضاء ايران حتى ولو اقتضى الامر الاساءة الى تاريخ لبنان مع انتمائه العربي العرب، وهو امر مرفوض في قاموس لبنان السياسي طالما تطلب الامر البحث عن مصلحة لبنان وليس اي مصلحة سياسية وخاصة من النوع القائم بين التيار الوطني وحزب الله، من غير حاجة الى دلالات يفهم منها ان ثمة قضايا من الواجب اخذها في الاعتبار (…)
ان الاستفزازات الايرانية بحق السعودية واضحة المعالم ومن واجب لبنان اخذ ذلك في الاعتبار لاسيما ان الامور ذات العلاقة المشتركة بين لبنان والسعودية في احسن اوضاعها وما على الجانبين تفهمه هو بقاء العلاقة في احسن حالاتها، اضف الى ذلك انه كان بوسع الوزير باسيل التصرف على اساس الوقوف الى جانب القضايا التي تخدم مصلحة الجانبين من غير حاجة الى تقديم مصلحة خاصة على المصلحة اللبنانية العامة (…)
ومن جهة ثانية فان الحوار الوطني في جلسته امس قد اعطى انطباعات بانه غير ايجابي حيث غاب عنه رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد المتقاعد ميشال عون والمرشح الرئاسي النائب سليمان فرنجية من غير دلائل يفهم منها سبب غيابهما، فيما كانت مناقشات تقليدية لم يفهم منها ما اذا كان ثمة غاية سياسية قد توصل الى ايجابية واحدة من النوع المرشح لان يتطور باتجاه الاحسن، خصوصا ان الغاية الاساسية من الحوار كانت ولا تزال البحث عن ملء الفراغ الرئاسي بما في ذلك تقريب وجهات النظر بما يكفل تطوير الامور العامة باتجاه تحقيق ما يرجى منه تثبيت الاستقرار السياسي على اساس يفهم منه ان بالامكان التفاهم على مخرج لمن بوسعه ان يصل الى قصر بعبدا بأقل صراع ممكن، لاسيما ان الصراع لا يزال يدور بين من ليس بوسعه ان يجسد الاكثرية فيما ترى اوساط مطلعة ان الغاية تجسد واقع الرفض وليس واقع القبول بالاخر؟!