نبادر الى القول إننا مع الحراك الذي تقوده بكركي من دون أي تحفظ، إلّا أننا لا نأمل في أنه سيصل الى نتيجة، لأن الانقسام العمودي (ولنقلها بصراحة بين اللبنانيين وليس بين السياسيين وحسب) من شأنه أن يشكل حاجزاً أمام أي وثيقة وطنية قد يُصدرها الصرح البطريركي الماروني أو أي مقام أو مرجعية أو فريق أو طيف لبناني آخر… وحسب السيد البطريرك الراعي أن ينال أحد الأجرَين: أجر المحاولة.
نقول هذا الكلام وفي الخاطر أنه عندما توصل اللبنانيون، خلال الحرب اللعينة، الى توافقٍ على وثيقة الثلاثة عشر بنداً، بتوافق بين الزعيمين كميل شمعون ورشيد كرامي ومن ورائهما معظم اللبنانيين، اتُّخِذَ قرار «تصفيتهما»، أوّلاً كميل نمر شمعون الذي نجا بأعجوبة من متفجرة استهدفته في سيارته، وقتل فيها مرافقه، وثانياً رشيد عبد الحميد كرامي في تفجير الطوافة التي كان يستقلها، في ذلك العمل الإرهابي الموصوف… وعندما التقى بشير الجميل وكمال جنبلاط وتوافقا على صيغة لإنهاء الحرب تقررت تصفيتهما…
وتلكما الجريمتان تشكّلان دليلاً قاطعاً على أن التوافق الوطني ممنوع في لبنان… حتى في مرحلة ما بعد الحرب، لـمّا تبين أن رفيق الحريري يمثل وجهاً وفاقياً تم اغتياله بتفجير سيارته بألفي كيلوغرام من المتفجرات…
وعليه فإننا نرى الى المشهد اللبناني الراهن على أن التوافق الوطني لا يزال ممنوعاً حتى إشعار آخر. وبالتالي فإن الجهد البطريركي المشكور الذي ينطلق من اللقاء المسيحي أوّلاً ليعم سائر الأطياف اللبنانية لن يُؤذَن له أن يبلغ مداه لاسيما وأن بكركي تصر، بقوة، على البعد الوطني لحراكها.
في أي حال إن المطلوب، في هذه المرحلة، يجب ألّا يُقتَصَر على انتخاب رئيس للجمهورية، بل أن يتخطاه الى التلاقي الوطني على مواجهة الأزمات التي يعانيها لبنان واللبنانيون، على نطاق واسع، ما يجعل من الرئاسة عقدة وليس حلّاً، لا سيما بسبب التعقيدات الدستورية والاختلاف على النصوص بفقراتها وحتى بكلماتها، ما بات يؤكد على أن انتخاب الرئيس شبه متعذر، وكذلك تشكيل الحكومة وإعداد البيان الوزاري أيضاً، بدلاً من أن تكون تلك، كلها، حلولاً أو مداخلَ الى الحلول.
وعليه فإننا نقيم على اقتناع راسخ، بأن النظام اللبناني بات في حاجة ضرورية جدّاً الى تعديلاتٍ تُجرى عليه، وفي الاقتناع كذلك، من أسفٍ كبيرٍ، أن تلك التعديلات تدخل في باب المستحيل.