تكاد الخلافات ما بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» والكتائب و«المردة» تختصر الأزمة العميقة على الساحة المسيحية التي تشهد باستمرار تنافساً على الزعامة المارونية بشكل خاص، وذلك بصرف النظر عن كل الإعتبارات المرتبطة بالتوقيت واللحظة الداخلية والإقليمية، أو حتى في المحطات الدستورية والإستحقاقات الإنتخابية. وبينما يستمر مشهد العلاقات ما بين هذه القوى ميّالاً إلى السلبية مع بدء العدّ العكسي للإنتخابات النيابية، تحدّثت معلومات منقولة عن أوساط نيابية شمالية، أن تقدّماً يجري في الكواليس في مسار الإنفتاح الإيجابي منذ مدة، وذلك ما بين «القوات» من جهة، و«المردة» من جهة أخرى. وأكدت أن هذه المعادلة لا تنسحب على العلاقة المتوتّرة ما بين معراب والصيفي، وإن كانت قنوات الإتصال غير مقطوعة بين الصيفي وبنشعي.
وإذ لفتت المعلومات إلى مبادرة كانت قد أطلقت أخيراً من أجل تحقيق خرق في جدار الخلاف القواتي ـ الكتائبي، لاحظت أن أي تقدّم لم يسجّل من الناحية الميدانية، مع العلم أن توجّهاً كان قد ظهر في الأسابيع الماضية، سمح بتوقّع حصول نوع من التقارب بين الطرفين، لا سيما بعد أزمة الرئيس سعد الحريري في السعودية، واستقالة الحكومة وما تبعها من عمليات إعادة تموضع في جبهة المعارضة لحكومة «الوحدة الوطنية».
وفي المقلب الآخر، ووفق معلومات الأوساط نفسها، فإن الجسور مقطوعة بالكامل ما بين «القوات» و«التيار الوطني الحر»، وذلك على الرغم من كل الجهود المبذولة لترميمها، لافتة إلى أنه منذ الأزمة الحكومية، تم تجميد كل الحوارات غير المباشرة التي كانت تجري بين القيادات الحزبية، وذلك وفقاً لمفاعيل «تفاهم معراب» على صعيد بعض الملفات الإقتصادية والإجتماعية والنقابية.
ومع اقتراب موسم الحملات الإنتخابية، فإن خطوط اتصال جديدة قد فتحت على خط العلاقة ما بين «التيار الوطني» والكتائب، وهي ما زالت في مراحلها الأولية، ويشوبها بعض البطء، كما كشفت المعلومات نفسها، والتي توقّعت عدم ظهور نتائج ميدانية في المدى المنظور، ولكنها لم تستبعد حصول تعاون إنتخابي في الأشهر المقبلة، وذلك في بعض الدوائر ذات التواجد المشترك مع مرشحين منافسين من الأحزاب الأخرى على الساحة المسيحية.
وبالتالي، فإن التركيز ينصبّ حالياً على معالجة أسباب التباعد، خصوصاً بعد التحوّل في الخطاب السياسي الذي يستمر تصعيدياً على غرار الحملات المتبادلة حول ملفات مطروحة على طاولة الحكومة وتشوبها بعض الشبهات.
كذلك، فإن وتيرة الحوار ما بين معراب وبنشعي ما زالت على حالها، إذ تُطبخ العلاقة الثنائية على نار هادئة منذ أشهر، وإن كانت لم تسجّل أية لقاءات مباشرة على مستوى قيادات الصف الأول، إذ تحدّثت المعلومات النيابية الشمالية، عن أن مناخ الإنفتاح قد بدأ منذ أكثر من عامين، وتكرّس أولاً على الأرض من خلال تنظيم الخلافات والتعايش على مستوى القواعد الشعبية، وثانياً من خلال التنسيق في مجلسي النواب والوزراء في «المردة» كما في «القوات»، حيث سجّل موقف واحد من بعض الملفات المطروحة، وثالثاً من خلال حديث عام حول الإستحقاق الإنتخابي، ولكن من دون التطرّق إلى أي تفصيل مرتبط بالتحالفات والترشيحات، مع العلم أنه في بعض الدوائر يبرز ميل إلى تعزيز فرص التحالف ما بينهما.
وانطلاقاً من هذه اللوحة المتشابكة سياسياً وانتخابياً، تريّثت الأوساط النيابية الشمالية في طرح أية سيناريوهات للمرحلة المقبلة على صعيد التعاون الإنتخابي ما بين هذه القوى، والتي تجتمع كلها على عنوان «عدم إلغاء الآخر» من الناحية المبدئية.