يعيش لبنان حاليًا مرحّلة سياسيّة صاخبة سياسيًا وإعلاميًا بفعل الضغط الناجم من إقتراب موعد الإنتخابات النيابيّة، وضرورة حسم مسألتي الترشيحات وخُصوصًا اللوائح الإنتخابيّة، وبالتالي التحالفات والتموضعات النهائية، في المُستقبل القريب. وقد جاءت الخلافات على مسألتي المُوازنة والكهرباء لصبّ الزيب على نار هذا الصخب. فما الذي يحصل؟
بحسب مصدر سياسي مُواكب لإجتماعات اللجنة الوزاريّة المُكلّفة درس الموازنة، إنّ كلاً من صندوق النقد الدَولي والإتحاد الأوروبي والدول المانحة، أبلغوا المسؤولين الرسميّين اللبنانيّين، من خلال مُوفدين وخبراء ولجان مُختلفة زاروا لبنان على مراحل، أنّ إستمرار الوضعين المالي والإقتصادي في لبنان على ما هوعليه مرفوض. وربط هؤلاء أي مُساعدات مالية سيتم تقديمها للبنان في خلال المُؤتمرات المُقبلة، بالإصلاحات وبالإجراءات الملموسة التي ستتخذها السُلطات اللبنانيّة، حتى لا تذهب الأموال والمُساعدات المُرتقبة هدرًا. وأضاف المصدر نفسه أنّه بناء على ما سبق، أدرك الرؤساء الثلاثة في لبنان أنّ مُوازنة العام 2018 يجب أن تُقرّ بأسرع وقت مُمكن، وخُصوصًا قبل أول مُؤتمر دَولي لدعم لبنان، أي مؤتمر «سيدر 1» الذي سيُعقد في باريس في 5 نيسان المُقبل، وأنّه من الضروري أيضًا إتخاذ سلسلة من الإجراءات المُواكبة، لجهة ترشيد الإنفاق والمُوازنة بين النفقات والواردات وتخفيض العجز والشروع في إصلاحات إداريّة وماليّة، إلخ.
ولفت المصدر السياسي نفسه إلى أنّ «التيّار الوطني الحُرّ» لن يسير بالمُوازنة ما لم تتمّ المُوافقة على خطّة الإستعانة بمزيد من بواخر توليد الطاقة، لأنّ «التيّار البرتقالي» يعتبر أنّ حلّ مُشكلة الكهرباء يؤثّر إيجابًا وتلقائيًا على خزينة الدولة ويحدّ من العجز. وأوضح أنّ «التيار» مع توفير الكهرباء على مدار الساعة من قبل الدولة، من خلال الإستعانة ببواخر إضافية لتوليد الطاقة، وعندها ستتم زيادة تعرفة الكهرباء لتغطية النفقات والمصاريف الإضافية، بحيث سيدفع المواطن فاتورة أغلى قليلاً لصالح الدولة، لكنّه سيتخلّص من فاتورة المولّدات الخاصة الباهظة وسيحصل على تيّار كهربائي بدون إنقطاع. وتابع المصدر السياسي نفسه أنّ القوى السياسيّة المُعترضة على خطّة «الوطني الحُرّ» لإصلاح قطاع الكهرباء، تعتبر أنّ الإستعانة بمزيد من البواخر لتوليد الطاقة لن يحلّ المُشكلة، حيث ستتكبّد خزينة الدولة المزيد من المصاريف التي ستذهب هدرًا بدلاً من أن تُدفع على إنشاء معامل أو بنى تحتيّة جديدة، في حين لن يحصل المواطن على خدمة كهربائيّة ممتازة لأنّ مُشكلة التعثّر في الكهرباء ليست محصورة في ضعف حجم إنتاج الطاقة من المعامل الموجودة حاليًا، حيث أنّ هذا الأمر جزء من المُشكلة، باعتبار أنّه من ضمن المشاكل غياب خطوط النقل الحديثة، وعدم مُعالجة التعديات على الشبكة، وعدم تطوير محطات التحويل، إلخ.
إشارة إلى أنّ حزب «القوات اللبنانيّة» – بحسب المصدر نفسه، هو مع إشراك القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء وضد خطّة الإستعانة ببواخر توليد طاقة، وله العديد من الملاحظات على تجاوز الإجراءات المعهودة في المناقصات وعلى الإلتفاف على قرارات إدارة المناقصات، وعلى حصر العروض بشركة واحدة، إلخ. وبحسب المعلومات المتوفّرة إنّ حزب «القوّات» الذي يرفض التعامل مع ملفّ الكهرباء من زاوية المصالح الإنتخابيّة، سيعترض بقوّة على خطّة الكهرباء بمجرّد طرحها في الجلسة المُقبلة لمجلس الوزراء. وفي السياق عينه، لفت المصدر إلى إنّ «حزب الله» مع إنشاء معامل إنتاج لبنانيّة وضد معادلة «إما بواخر أو لا كهرباء»، وهوسيعترض بدوره على خطّة «التيّار» إلى جانب غيره من القوى أيضًا. في المُقابل يعتبر «التيّار» أنّ المناقصات تمّت بوضوح، وأنّه ستتمّ الإستعانة بمن إنطبقت عليه الشروط والمعايير المطلوبة، وبأنّه توجد العديد من الحلول غير المنطقية ولا الواقعية التي تُطرح من باب المزايدة السياسيّة والإعلاميّة لا غير.
وبموازاة إستمرار «شدّ الحبال» في ملف الكهرباء، تصاعدت الخلافات بشأن مشروع مُوازنة العام 2018، وفي هذا السياق، لفت مصدر إقتصادي إلى أنّه تبيّن خلال إجتماع اللجنة الوزاريّة المُكلّفة درس المُوازنة أنّ العجز سيبلغ نحو11 إلى 12 مليار ليرة وليس نحو 7,5 مليار، كما كانت التقديرات السابقة، بحسب النسخة التي رفعها وزير المال علي حسن خليل إلى مجلس الوزراء. وأضاف أنّه في مُوازنة العام 2017 بلغ العجز ما مجموعه 7490 مليار ليرة، ما يعني أنّ نسبة الزيادة اللاحقة بالعجز في خلال سنة واحدة بلغت 60 %، وهذا رقم ضخم، مُعتبرًا أنّه لا مجال لتطبيق طلب رئيس الحكومة سعد الحريري خفض مُوازنات الوزارات بنسبة 20 %. وعزا المصدر الإقتصادي هذا الإرتفاع الكبير في قيمة العجز إلى جملة من العوامل المتداخلة، وأبرزها إرتفاع قيمة الدين العام وتكاليف خدمة الدين العام إلى مُستويات غير مسبوقة بلغت نسبتها 150 %، وإلى إرتفاع قيمة المُشتقات النفطية بعد إستعادة الأسعار العالمية توازنها، ما أسفر عن تخصيص 500 مليار ليرة لشراء «الفيول أويل»، علمًا أنّ لبنان يدفع مليار ونصف المليار دولار أميركي لدعم قطاع الكهرباء. وقال إنّه من بين الأسباب الأساسيّة أيضًا لارتفاع العجز الزيادة الكبيرة الناتجة من تغطية نفقات سلسلة الرتب والرواتب غير المدروسة، وتطويع العديد من العناصر والضبّاط في مختلف الأجهزة الأمنيّة، مع كل الأعباء المالية المُترتّبة عن ذلك. وأضاف المصدر الإقتصادي أنّه تمّ أيضًا تلقّي طلبات بدفع أموال ضخمة لصالح كل من الهيئة العليا للإغاثة، ومجلس الإنماء والإعمار، والمؤسّسة العامة للإسكان. وأكّد المصدر الإقتصادي نفسه أنّه على الرغم من هذه الصُورة القاتمة لا إنهيار لليرة اللبنانية في المدى المنظور، لأنّ المصرف المركزي يعمل على تثبيت سعر صرف الليرة في مقابل الدولار من إحتياطه، علمًا أنّ السعر الحقيقي لولا هذا التدخّل، سيكون مُختلف تمامًا.
وبالعودة إلى المصدر السياسي المُواكب لإجتماعات اللجنة الوزاريّة المُكلّفة درس المُوازنة، إنّ عمليّات «شدّ الحبال» بين القوى السياسيّة بخلفيّة التحالفات الإنتخابيّة ستبقى قائمة في المرحلة المُقبلة، ومُحاولات كسب الوقت عبر تأجيل جلسة حُكومية هنا وإرجاء جلسة للجان المُتخصّصة هناك، لن تنجح في إخفاء الصراع الذي يتجاوز التباين على البنود الإصلاحيّة وعلى الرؤى الإقتصادية، ويرتبط مُباشرة بالخلاف الإنتخابي قبل أيّ شيء آخر. وأضاف: «كلّما تعثّرت التحالفات الإنتخابيّة، كلّما ستشتدّ الخلافات على المُوازنة والكهرباء وغيرها من الملفّات أيضًا».