تتخذ معركة دائرة «كسروان -جبيل» أهمّية خاصة في الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، لأنّ هذه المنطقة تُمثّل جغرافيًا «القلب النابض» لمُحافظة جبل لبنان ككل، وتُمثّل طائفياً «القلب النابض» لمسيحيّي لبنان وتحديداً لموارنته. وليس سرّاً أنّ التنافس في هذه الدائرة هو على سبعة مقاعد مارونيّة وعلى مقعد شيعي واحد، ما يجعل من هذه الدائرة الأهمّ على المُستوى المسيحي عُموماً، وعلى المُستوى الماروني تحديداً، خاصة في ظلّ وجود أعداد كبيرة من الناخبين الموارنة يُقدّرون بنحو مئة وخمسة وعشرين ألف ناخب. وبحسب الإحصاءات الخاصة بالدورتين النيابيّتين الأخيرتين في العامين 2005 و2009، واللتين كانتا قد سجّلتا نسب إقتراع مُرتفعة، فإنّ «التيّار الوطني الحُرّ» كان يُسيطر سيطرة تامة في كسروان وجبيل بفعل قانون الإنتخاب الأكثري، فهل سيبقى الأمر عليه مع قانون الإنتخاب النسبي، ومع تبدّل التحالفات، وكذلك مع حصول تغييرات ملحوظة في موازين القُوى؟
بحسب مصادر سياسيّة مُطلعة إنّ «التيّار الوطني الحُر» الذي تراجعت شعبيّته من 63 % بمعدّل عام في كسروان سنة 2005 إلى 51,7 % بمعدّل عام سنة 2009، لا يزال يملك «الكلمة الفاصل» في قضاء «كسروان» وفي دائرة «كسروان – جبيل» عُموماً، لكنّ لائحته ستكون مُعرّضة للإختراق. وذكّرت المصادر نفسها بأنّه في دورة الإنتخابات النيابية الأخيرة في العام 2009، كان الفارق بين الفائز الأخير على لائحة العماد عون آنذاك، أي النائب جيلبرت زوين (نالت ما مجموعه 30,444 صوتاً) والخاسر الأوّل على اللائحة المنافسة أي منصور البون (نال ما مجموعه 29,111 صوتاً) 1333 صوتاً فقط لا غير، ما يفتح الباب واسعاً أمام إحتمالات الخرق. ولفتت إلى أنّ الواقع نفسه ينطبق على قضاء جبيل حيث كان الفارق بين اللائحة «العَونيّة» وتلك المنافسة في إنتخابات العام 2009 محصوراً ببضع مئات من الأصوات فقط على مُستوى الصوت المسيحي، قبل أن يأتي الصوت الشيعي ليُرجّح فوز «اللائحة البرتقالية» بفارق نحو 8000 صوت، هم الجزء الأكبر من الناخبين الشيعة الذين كان يبلغ عددهم في الدورة الماضية أكثر من 10000 ناخب، علمًا أنّه في الإنتخابات المقبلة وفق التصويت النسبي سيلعب «الصوت التفضيلي» دوراً مُهمّاً في المعركة.
تحضيرات «التيار الوطني» و«القوّات»
ولفتت المصادر السياسيّة المُطلعة إلى أنّه بالنسبة إلى «التيّار الوطني الحُر» فإنّه يتجه لتغيير العدد الأكبر من نوّابه الحاليّين في دائرة «كسروان ـ جبيل». وأوضحت أنّ أبرز الخارجين من جنّة المقاعد النيابية في كسروان، النائب نعمة الله أبي نصر، وجيلبرت زوين، ويوسف خليل، إضافة طبعاً إلى العماد ميشال عون الذي صار رئيساً للجمهوريّة، بينما سيبقى النائب فريد إلياس الخازن على الأرجح ضمن قائمة المُرشّحين. أمّا في جبيل فإنّ أبرز الخارجين هو وليد خوري، بينما سيبقى على الأرجح النائب سيمون أبي رميا، في حين أنّ مصير تبنّي ترشيح النائب عبّاس هاشم مُرتبط بعوامل خاصة بالثنائي الشيعي وبعلاقته الإنتخابيّة مع «التيار الوطني الحُرّ». وأشارت المصادر نفسها إلى أنّ «التيّار» الذي راعى دائماً التمثيل العائلي، خاصة في قضاء كسروان، حريص في الإنتخابات المُقبلة على إعتماد المبدأ نفسه، لجهة ضرورة وجود مُمثّلين عن العائلات الكُبرى، لكنّه يُواجه في المُقابل مُعضلة كثرة المُرشّحين، وضرورة التحالف مع قوى وشخصيّات أخرى، ما يُحتّم عليه التخلّي عن بعض المقاعد لها. وشدّدت المصادر على أنّ ترشيح العميد شامل روكز عن أحد المقاعد النيابيّة في كسروان محسوم، في ظلّ حديث عن إحتمال أن يرأس اللائحة أيضاً.
وأكّدت المصادر السياسيّة المُطلعة أنّ حزب «القوّات اللبنانيّة» لن يمنح من جهته أصوات مُحازبيه ومُناصريه مجاناً في الإنتخابات المُقبلة، أي أنه سيدعم مُرشّحين حزبيّين أو مُستقلّين بشرط التعهّد بالإلتحاق بكتلة «القوّات» في حال الفوز، ويطمح «الحزب» لأن يتمثّل بنائبين عن دائرة «كسروان ـ جبيل» أحدهم من قضاء كسروان والآخر عن قضاء جبيل حيث لا يزال باب التفاوض مفتوحًا على اي مرشح سترسو القوات.
وخلصت المصادر السياسيّة المُطلعة إلى أنّه من المُستحيل الجزم بأي نتيجة في دائرة «كسروان – جبيل» من اليوم، وقبل وُضوح هويّات مُختلف المُرشّحين وكيفيّة توزيعهم على اللوائح المُتنافسة، وخُصوصاً قبل وُضوح طبيعة التحالفات التي سيتم شبكها في المنطقة. وأضافت أنّ الشيء الأكيد الوحيد أنّ «التيّار الوطني الحُر» سيخسر عدداً من نوّابه في هذه الدائرة، إمّا طوعاً بفعل التنازل لقوى مُتحالفة معه، وإمّا قصراً بفعل وجود ثقل مُعارض له يحظى بنسبة وازنة من الناخبين.