مدّد المجلس الأعلى للدفاع اقفال البلد بالكامل لأسبوعين حتى صباح 8 شباط المقبل من دون أي تعديل في الاستثناءات، الأمر الذي يثير تساؤلات عن مصير القطاعات الانتاجية، وفي مقدمها الصناعة الوطنية. والسؤال الدقيق هو: كيف يتم اغلاق البلد من دون خطة واضحة للخطوات التي ستلي الاغلاق؟
يُحكى انه عندما فاتح احد المسؤولين رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب بضرورة ان يلحظ الاقفال العام بعض الاستثناءات، مثل المصانع التي تصنع أكياس النايلون لربطات الخبز والمطابع للتطبيع على الاكياس، أجاب: فليشترِ الناس الخبز ويحملوه بأيديهم على غرار ما يحصل في كثير من الدول المجاورة.
هذا الحديث جرى فعلاً في لقاء وُصِف بالعاصف عقد أمس الأول بين دياب ووزير الصناعة عماد حب الله وممثلين عن جمعية الصناعيين، بحيث كان قرار الاقفال التام حازماً وجازماً وفيه أن لا استثناءات لأحد لأنّ أحداً لن يتحمل مسؤولية ما آلت اليه الأمور بعد الانتشار الواسع لكورونا الذي ارتفع بشكل ملحوظ بعد فترة الأعياد، وارتفعت معه اعداد الوفيات لتسجل 63 وفاة في يوم واحد.
اما رئيس الجمهورية، الذي رفع راية حماية الإنتاج الصناعي منذ البدء، فيرفض استقبال أيّ من ممثلي القطاعات الاقتصادية لأنّ القرار بعدم استثناء أحد في المرحلة الراهنة نهائي ولا رجوع عنه. لكنّ السؤال، اذا كان لا استثناء لأحد فكيف يفسر إعطاء استثناء لشركة الريجي مصنّعة الدخان المضرّ بالصحة للعمل؟ والى أي مدى تصنيع السجائر في الوقت الراهن هو حاجة ملحّة؟ لماذا استثناء بعض شركات التاكسي المحسوبين على جهة معينة من دون أخرى وهذا ما تكشّف امس في المطار؟ وكيف يفسّر إعطاء اكثر من 100 ألف اذن يومي للخروج من المنزل؟ وكيف يفسّر إعطاء استثناءات لمصانع الأغذية من دون إعطاء أذونات للمصانع المتمّمة والمكملة لعملها؟
كل هذا يُظهر حجم التخبّط في القرارات التي رغم مرارة الجائحة لا تزال تعالج في بعض الأحيان من باب المصالح السياسية الضيقة، وحتى الآن لا قواعد علمية تبرّر فتح البلاد امام الملاهي الليلية والتجمعات ونوادي السهر، خصوصاً ليلة رأس السنة، عندما كان العالم أجمع يمنعها. كما لا شيء يبرر منع الإنتاج والتصنيع في وقت كل دول العالم ناشدت الاستمرار بالإنتاج والعمل لتأمين حاجات الناس، كونه رافعة لاقتصادات الدول في ظل ما تتكبّده من خسائر بسبب الجائحة. فكيف الحري بلبنان المترنّح أصلاً!!
نحن اليوم امام خيارات صعبة، إمّا مواجهة كورونا مع استثناءات مبنية على قواعد علمية تأخذ بالاعتبار مصلحة البلاد من خلال توفير الحد الأدنى من صمود أسس الاقتصاد ريثما ننتقل الى مرحلة ما بعد كورونا مع فرض تدابير قاسية للوقاية من الجائحة، وإمّا الاستسلام للجائحة التي لن تُبقي خلفها أي مقومات للحياة. وبناء عليه يطرح السؤال التالي: هل المطلوب الانهيار التام لكل القطاعات أيضاً من دون استثناء؟
في السياق، يسأل النائب شوقي الدكاش: من سيظلّ واقفاً على رجليه ما ان تنتهي جائحة كورونا؟ فبعد انهيار القطاع المصرفي وضرب صورة حاكم مصرف لبنان وبدء حملة تطاول على الجيش، بدأت الحملة على القطاع الصناعي. فهل المطلوب ان تفرط الدولة بالكامل؟
وقال لـ»الجمهورية»: متّهمون بإدخال الدولارات الى لبنان لمصالح شخصية ضيقة وكأننا لا نعمل مع 170 ألف عامل لبناني، فإدخال العملات الصعبة هو هدف الدول النامية لتحسين اقتصادها. ها هي تركيا تحارب انهيار عملتها برفع التصدير من خلال تقديم كل الدعم للمصدّرين، فمن مسؤولية كل دولة ان تساهم في تسهيل كل ما من شأنه ان يُنعش الاقتصاد ويخفض حجم البطالة، فهل تصوّرتم كم عاطل عن العمل سيصبح لدينا اذا أقفل اليوم 500 معمل؟
وتابع الدكاش: في خطاب القسم أكد رئيس الجمهورية انّ القطاعات الإنتاجية ستكون من أولوياته، كما برز في خطة الحكومة الاقتصادية انّ القطاعات الإنتاجية، لا سيما الزراعية والصناعية، ستشكّل أولوية على ما عداها من القطاعات لأنها الرافعة للاقتصاد، الّا انّ جائحة كورونا ضربت لبنان وتقع على الحكومة مسؤولية كبيرة في ذلك من خلال سوء ادارتها للأزمة، والتي سمحت بفتح البلد وإقامة الحفلات على رأس السنة من دون أي دراسة لنصل الى ما نحن عليه اليوم.
ثم تحدث الدكاش عن الاجتماع الذي جمعَ أمس لجنة الاقتصاد بوزيرة الدفاع زينة عكر ووزير الشؤون الاجتماعية والسياحية رمزي مشرفية وإيداعهم مطالب الصناعيين لإيصالها الى رئيس الحكومة على ان يعرضها على المعنيين. وشدد المجتمعون على انّ الصناعة هي ركن أساسي من اركان الاقتصاد، وأنّ الصناعيين حريصون على صحة العاملين معهم، وأنه لا يجوز ان تقضي الجائحة على ما تبقّى لنا من اقتصاد. أضافوا: لقد فقد لبنان ثقة المجتمع الدولي، ووحده القطاع الصناعي لا يزال يحظى بهذه الميزة، فهل المطلوب أيضاً ضرب هذه الصورة وضرب مصداقيتنا تجاه العالم؟
وأوضح الدكاش: لقد أكدنا للوزراء استعدادنا الالتزام بإجراء فحوصات PCR دورية لعمّالنا لأنّ صحتهم هي من أولويتنا مع التقيد الحازم بالإجراءات، فنحن لدينا نحو 140 الف عامل في القطاع الصناعي مسجّلين في الضمان الاجتماعي غير المتعاقدين اليوميين والمهندسين الذين يشكّلون حوالى 30 ألفاً، ما يعني انّ لدينا 170 الف عامل في القطاع ملتزمين تجاهه، وسنواصل دفع الرواتب لهم فنحن جميعاً في خندق واحد.
وأكد انّ الصناعيين سيلتزمون بالاقفال العام إنما هل للمعنيين باتخاذ قرارات الاقفال أن يبلغونا ما ستكون عليه خطتهم بعد انقضاء فترة الاقفال؟ وما خطتهم تجاه القطاع؟ ومتى سيُستثنى القطاع للانطلاق منه وإعادة جدولة التزاماتهم مع الموردين؟
وعَدّد الدكاش بعضاً من الخطوات التي أبدى الصناعيون استعداداً للالتزام بها، وهي:
– إجراء فحوصات pcr دورية للعمال وفحوصات المناعة اذا استدعى الامر.
– تأمين 25% من الطاقة التشغيلية في المعامل.
– السماح لوزارة الصحة في الأقضية بالكشف على كل معمل يأخذ اذناً بالعمل، على ان يكون هذا الاذن صادراً عن وزارة الصناعة.