«حركة المبادرة الوطنية» غداً: معركة طويلة لمواجهة الاختلال في النظام اللبناني
التحديات كبيرة أمام الحركة الجديدة ــــ القديمة.. وأهمها انخراط العمود الفقري لـ «14 آذار» في التسوية والاستسلام
28 مجموعة شبابية بعدد يتراوح بين 300 و400 شخصية حضّرت للمؤتمر… وهيئة تنفيذية للمتابعة والاتصال بالقوى السياسية
سيشهد يوم غد، الرابع والعشرون من شباط 2018، الإعلان عن ولادة «حركة المبادرة الوطنية» من رحم الحالة السيادية التي شكّلتها «14 آذار»، إنما بمقاربة جديدة، بعد انفضاض قواها عن بعضها البعض، وعمّا كانت تمثله من حلم استقلالي كان ضرباً من الخيال وسراباً، بفعل تحكّم النظام السوري بكل مفاصل الدولة وإخضاع لبنان شعباً ومؤسسات ترغيباً وترهيباً، لكن اغتيال الرئيس رفيق الحريري فجّر ما في مكنونات اللبنانيين الذين توحّدوا مسلمين ومسيحيين، فكانت تلك اللحظة التاريخية في الرابع عشر من آذار 2005، حيث كانت الحناجر في ساحة الشهداء تصدح «سوريا برّا برّا»، فإذا بتلك الانتفاضة الكبرى تؤسس لخروج الجيش السوري من لبنان، في ما يشبه المعجزة!
دار الزمان دورته، اثنتا عشرة سنة كانت كفيلة بتهالك جسد «14 آذار»، وإعلان موته على يد قادته الذين انخرطوا في تسوية سياسية تحوّلت إلى استسلامٍ باهظ الكلفة على لبنان ونظامه ودستوره وحكم القانون فيه وسياسته الخارجية وانتمائه العربي، في نظر الرُكنين الرئيسيين في «حركة المبادرة الوطنية» فارس سعيد ورضوان السيّد. باكراً سجّل سعيد والسيّد، كل من موقعه، حالة اعتراضية على ما اعتبراه ومعهما كثير من النخب والناشطين، خروجاً عن الطائف على قاعدة تكوين سلطة تكرّس حكم الطوائف وكأنها وحدات سياسية – اجتماعية تتساكن ضمن دولة واحدة في ما شكّل ضربة قاسية لمفهوم وصيغة «العيش المشترك».
المهم في هذه الخطوة، هو ما تشكّله المبادرة من إطلاق لخيار «النهوض الوطني» الذي هدفه التصدّي للاختلال الكبير الذي تعيشه البلاد، والذي يُهدّد بتغيير طبيعة النظام اللبناني. ليست هناك أوهام كبيرة لدى القيمين على «الحركة»، لكنهم على يقين من أن ثمّة حالة اعتراض سنية واسعة تُعبّر عن نفسها بكثير من الأشكال، نتيجة استحقاقات عدّة «بدا فيها الرئيس سعد الحريري أنه تخلى عن موقعه في معادلة الحكم»، ما أدى في نظر السيّد، إلى اختلال في السياسات العامة الكبرى للدولة، وفي تنظيم العلاقات داخل النظام اللبناني وفي علاقات لبنان مع محيطة العربي والدولي، بحيث أن العناوين الأساسية التي شكلت مرتكزات المواجهة (2005 – 2016) مع «حزب الله»، بما يُجسّده من مشروع إيراني ومن مصادرة للقرار الوطني، قد خفتت. غاب الكلام عن المحكمة الدولية وعن الاغتيالات وعن تدخل «حزب الله» في سوريا وعن سلاحه، لا بل بدأ البحث عن أدوار لهذا السلاح، تارة يُعلن رئيس الجمهورية أن الجيش اللبناني غير جاهز عسكرياً، وتارة أخرى يعلن الحريري أن «حزب الله» لا يوجّه سلاحه الى الداخل اللبناني، وطوراً يتم إنتاج وظائف جديدة له بما يجعله جيشاً رديفاً للجيش الشرعي، من مكافحة الإرهاب إلى حماية الحقوق النفطية اللبنانية إلى غيرها من الوظائف التي من شأنها أن تمهّد الطريق أمام تشريع هذا السلاح. غابت كل المرتكزات السابقة للمواجهة التي كان هدفها الصمود في وجه سياسة تطويع لبنان وإلحاقه بالمحور الإيراني، وكأن ما حلّ محلها هو المضي نحو هذا المحور كخيار الضرورة أو الواقعية !
كان لا بدّ لحالة الاعتراض السني أن تنحو باتجاه المشروع الوطني، لا أن تذهب في اتجاهات مذهبية أو خيارات متطرفة. هنا في رأي سعيد، تكمن أهمية دور رضوان السيد الذي يُسهم، من موقعه، في تشكيل «شبكة أمان حقيقية» في مهمة تأطير هذا الاعتراض على قواعد وطنية.
اللقاءات التحضيرية التي عُقدت خلال الأشهر الخمسة الماضية عملت على رسم الأطر العامة لـ «الحركة». نحو 28 مجموعة شبابية من جمعيات أهلية ومناطقية فاعلة في محيطها، سواء في بيروت أو الشمال أو البقاع، اجتمعت وتداولت وحضّرت لانعقاد المؤتمر العام، في فندق «المونرو»، الذي سيتلو خلاله السيّد الوثيقة السياسية ومن ثم تتم مناقشتها من قبل المشاركين الذين يتراوح عددهم بين 300 و400 شخصية بوصفهم نخباً وناشطين مؤثرين وليس حشداً جماهيرياً، على أن تصدر عن المؤتمر «هيئة تنفيذية» من شأنها أن تواكب الوضع السياسي وتتولى الاتصال بالقوى السياسية التي تُشكّل معها جامعاً مشتركاً حيال صون الدستور وحماية الطائف والعيش المشترك تأكيداً على الشرعية الوطنية، وصون علاقة لبنان بعمقه العربي حفاظاً على شرعيته العربية، واحترام لبنان للقرارات الدولية وعلاقاته مع الدول الغربية حفاظاً على الشرعية الدولية.
السؤال المحوري الذي سيُطرح في المؤتمر من قبل كثير من المشاركين يكمن في الآليات التي ستعتمد من أجل تحويل الحالة الاعتراضية الناشئة إلى حالة مؤثرة؟
الأكيد أن العمل لا بد من أن يكون تراكمياً كي يتحوّل إلى قوة مؤثرة وفاعلة. في يقين النواة التحضيرية أن روحية «14 آذار» هي في وجدان اللبنانيين، والإرادة الشعبية موجودة، غير أنها تحتاج إلى رافعة، وإلى مَن يُعلن على الملأ قرار التصدي لانحراف الحكم والحكومة، والرهان أن تنجح المبادرة الوطنية في ذلك، إذ أن مهمتها لا تقتصر على الاستحقاق الانتخابي، فهي ليست إطاراً سياسياً ينشأ من أجل الانتخابات. ولن يكون للمبادرة مرشحون باسمها، إنما إذا كان من بين أعضائها ومكوناتها مرشحون فإنها ستعمل على دراسة ما يمكن أن تقدّمه في سيبل دعمهم، لكنها من دون شك ستعمل على تفعيل حضورها ومشروعها ودورها بعد الانتخابات، انطلاقاً من القناعة الراسخة لديها بأن المعركة طويلة.
التحدّي كبير أمام هذه الحركة السياسية القديمة – الجديدة، فالظروف التي رافقت ولادة «14 آذار» تختلف عن ظروف اليوم، سواء داخلياً أو عربياً أو دولياً. ولعل أهم الظروف الداخلية انخراط القوى التي كانت تشكّل العمود الفقري لـ«14 آذار» في التسوية و«استسلامها»، غير أن ارتفاع منسوب المخاطر التي تهدّد لبنان قادر على أن يُشكّل عوامل دفع إيجابية لجهة اتساع الحالة الاعتراضية مع التزاوج القائم بين السلاح والفساد، وعجز موازنة الدولة، والوضع الاقتصادي الضاغط في ظل الحصار الخليجي غير المعلن على لبنان، وفي ظل الضغوط الدولية من الدول المانحة للبنان للذهاب في إجراءات إصلاحية موجعة كشرط لتمويل مؤتمرات الدعم المقررة، وفي ظل النسخة الجديدة من العقوبات الأميركية على «حزب الله»، والمخاوف من النزاع النفطي الذي أضحى يشكل ذريعة من الذرائع التي يمكن أن تؤدي إلى اشتعال حرب بين «حزب الله» وإسرائيل، في وقت يفترض بالدولة اللبنانية أن تلجأ إلى الآليات الدولية لحل هذا النزاع، لكنها تبدو يوماً بعد يوم بصورة الملحق!