فيما تُقرع طبول الحرب على لبنان، كما نقل أكثر من مصدر غربي، في تقاطع مُلفت للمعلومات، لا يزال الهمّ الداخلي الأول للطبقة السياسية تفصيل قانون انتخابات، كل على مقاسه، من جهة، واستمرار التراشق الكلامي من جهة أخرى، في استعراض سخيف للعضلات واستثمار واضح للرصيد الانتخابي في حال حصولها! والأغرب من هذا كله التعمية الممنهجة عن النيران المحيطة بلبنان من كل حدب وصوب، في ظل إشغال اللبنانيين بأمورهم الحياتية ومشاكل السياسيين من أخذ وردّ لا يُسمن و لا يُغني من جوع، بل العكس، يضاعف ارتدادات الأزمات المتلاحقة على البنية الاقتصادية المنهكة ويعرقل انطلاقة ورشة إصلاح مؤسسات الدولة المتآكلة بفعل الفساد المستشري والإهمال الرسمي المزمن، إضافة إلى غياب الخطط الواضحة لإعادة هيكلتها حتى تستوفي الحد الأدنى من شروط المؤسسات العصرية و الفاعلة.
ويبقى الخوف الأكبر من غياب الجهوزية الرسمية لمواجهة أي عدوان غاشم على الوطن الصغير، حيث لا يزال التوافق الداخلي على كيفية مقاربة الملفات الكبرى مفقوداً، بدءاً من أبسط القضايا الحياتية، وصولاً إلى هندسة العلاقات الخارجية وتحديد موقف الدولة بشكل موحّد على الساحة الدولية. أضف إلى ذلك غياب الجهود الرسمية في حبك شبكة علاقات دولية تؤمن الحد الأدنى من الدعم أسوة بنهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي استطاع من خلال علاقاته المتشعبة إقليمياً ودولياً أن يُواجه أكثر من عدوان إسرائيلي، مؤمناً الدعم السياسي واللوجستي للوطن الصغير، مشكلاً نوعاً من اللوبي اللبناني غير المسبوق والذي فشل العالم العربي برمته حتى اليوم في تشكيله، وهذا بالكلام عن اللوبي بعيداً عن العلاقات الدولية الاستراتيجية والمصالح الاقتصادية المشتركة… والمفارقة أن لبنان بقي يستفيد من رصيد الرئيس حتى بعد استشهاده، كما حصل في حرب تموز من الدعم العربي والتحرّك الدولي لإنهائها بأسرع وقت.. كل هذا وحافظ الرئيس الشهيد على التوازن الداخلي وسياسة التعايش مع الشريك، مهما كان اختلاف التوجهات السياسية والأولويات الوطنية كبيراً!
نعم ، إنها مدرسة رفيق الحريري، والتي أثبتت الطبقة السياسية عجزها عن الاقتداء بها، فإما تحالف لدرجة الذوبان مع الأقوى، أو مواجهة حتى الإلغاء ومهما كانت الأثمان التي يدفعها الوطن والمواطن على حد سواء، مما يقض مضجع اللبنانيين حيث لا ظهر يحميهم في الشدائد مما يعني أن أي عدوان، لا قدر الله، سيكون الوطن الصغير لوحده في المواجهة بعدما أمعن فريق في التشويش على العلاقات الإقليمية من جهة، وفشل في بناء قضية رابحة على المسرح الدولي من جهة أخرى، فبقيت المصلحة الوطنية في الكفة الخاسرة من ميزان الأجندات الخاصة!
إلى أن تنزل الهداية بمعجزة إلهية، يبقى الترقب سيد الموقف وقانون الانتخاب أكبر الإنجازات التاريخية.. إذا ما أنجز…