انطلق العام الجديد على وقع المشكلات الأمنية المتنقّلة والاشتباكات العسكرية الحدودية، والإغتيالات التي أطلّت برأسها باستهداف المسؤول في حركة «حماس» صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية. وإذا كانت نار الجنوب مرتبطة بحرب غزة وإمكانية توسعها لتطال بقية الجبهات، إلا أنّ الساحة الداخلية تشهد بعض المحاولات من أجل إنهاء الشغور الرئاسي.
لا يرتبط التصعيد الرئاسي بمواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وبعض الأطراف المسيحية الأساسية، بل تطغى الأبعاد الوطنية على هذا الإستحقاق بعد تعاظم أخطار الفراغ. فقضية الرئاسة ليست مرتبطة ببكركي أو بالمكوّن المسيحي وحده، وتعاني غالبية الطوائف والمناطق الانهيار والتدهور الاقتصادي وغياب الإستقرار نتيجة ضعف الدولة.
وتحاول القوى المستقلّة ملاقاة البطريرك الراعي في ضغطه لإيجاد حلّ وإخراج الإستحقاق الرئاسي من دائرة المراوحة، ويبرز في هذا الإطار تحرّك مرتقب لتكتّل «الإعتدال الوطني» الذي سجّل نجاحاً في ضمّ بند التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان إلى ملف التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون.
ويرغب تكتّل «الإعتدال» في متابعة الزخم الذي أحدثه التمديد لقادة الأجهزة الأمنية وترجمته في الرئاسة، ومن ثمّ تأليف حكومة إصلاحية. وتأتي هذه الخطوة في سياق العمل على الحدّ من الأخطار، ومن العاصفة التي قدّ تهب من الجنوب في أي لحظة. وتؤكّد معلومات «نداء الوطن» إصرار «الإعتدال» على المضي قدماً في تحرّكه حتى لو كانت نسبة حظوظ النجاح ضئيلة نظراً إلى الأوضاع الداخلية المتشنجة وغياب ضغط إقليمي ودولي يعطي ملف لبنان الأولوية.
وأولى تلك الخطوات، هي إقدام «الإعتدال» على تكبير حجم التحرّك بالتنسيق مع نواب مستقلين. وقد أجرى الاتصالات مع كل من النواب: نعمت افرام، جميل عبود، نبيل بدر، عماد الحوت، أسامة سعد، عبد الرحمن البزري، شربل مسعد، سينتيا زرازير، حليمة قعقور، الياس جراده، إضافة إلى نواب مستقلين يجري الاتصال بهم، وسيُعقد إجتماع مساء اليوم مع هؤلاء النواب للإتفاق على خطة تحرّك وعمل للدفع في اتجاه إجراء الإستحقاق الرئاسي.
وفي انتظار الإتفاق على الورقة الموحّدة للحركة، سيباشر تكتّل «الإعتدال الوطني» نشاطه ولقاءاته وسيجول على كل القوى السياسية من دون استثناء. وعلمت «نداء الوطن» أنّ جوهر المبادرة يقوم على الدعوة الى جلسات انتخاب مفتوحة، وعلى هامش الجلسات تجرى حوارات جانبية، كما حصل في الجلسة التشريعية الأخيرة وجلسة التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، وهذا يكون إستعاضة عن الحوار الشامل، وإذا إلتزم جميع النواب الحضور عندها إما يُنتخب رئيس أو يتفق الجميع على إسم.
لن يطرح تكتّل «الإعتدال الوطني» أسماء مرشحة لئلا «تحرق»، لكن المشاورات ستركّز سياسياً على طرفي الصراع الداخلي، أي «حزب الله» والحلفاء و»القوات اللبنانية» والحلفاء، إضافةً إلى المستقلين.
ويعوّل تكتّل «الإعتدال» على تجاوب رئيس مجلس النواب نبيه برّي مع هذا الطرح، لأنه دون تجاوبه ودعوته إلى عقد جلسات متتالية، حتى لو لجأ بعض النواب إلى تعطيل النصاب، لن تستقيم المبادرة ويُكتب لها النجاح.
وتشير الأجواء إلى عدم إتخاذ برّي موقفاً نهائياً في شأن مثل هذا الطرح، وينقل عدد من النواب الذين التقوه سابقاً وطرحوا أفكاراً قريبة إلى فكرة «الإعتدال»، أنه تارةً نراه متحمساً، وطوراً يتراجع، إمّا لعدم تجاوب «حزب الله» معه أو بسبب عدم وجود إتفاق إقليمي ودولي على ملف الرئاسة.
إذاً، سيكون هناك نحو 16 نائباً من ضمنهم تكتل «الإعتدال الوطني» يسعون إلى تحريك مياه الإستحقاق الرئاسي، وقد يترافق حراكهم مع وصول عدد من المبعوثين الخارجيين مثل الفرنسي والأميركي والقطري، وهذا الأمر يُحتّم الدفع في إتجاه الرئاسة، لكن متى الإنتخاب، أو ستتعايش البلاد مع الفراغ الطويل؟