مفردات الفدرالية والاستهداف الطائفي تطفو على السطح
«التيار الوطني» يفخِّخ نفسه أم «الصيغة»؟
لا حاجة ليعلنها جبران باسيل بالفم الملآن بأنّ ما بعد قرار التمديد لقائد الجيش جان قهوجي، ليس كما قبله أبداً. لا يعني أنّ فريقه قرر نسف الهيكل الدستوري من أساساته، ولو أن هناك من يقرأ بين سطور «التحذيرات» المتتالية ملامح خطوة أبعد من مجرد مقاطعة حكومة تمام سلام.
المشهد سيبدو مختلفاً كلياً عن مشهدية العام الماضي يوم اتكل «التيار الوطني الحر» على زنود العونيين في النزول الى الشارع تعبيراً عن رفضهم التمديد لقهوجي. المتغيرات السياسية وتحديداً تلك المتصلة بالملف الرئاسي، قد تستدعي تدخل «أسلحة» اضافية ربما حان وقتها.
بهذا المعنى، قد تُفهم الحملة غير الرسمية التي قد يقودها بعض القياديين العونيين (ومعظهم يتولى مسؤولية او انه قريب من القيادة) تحت عنوان «الفدرالية هي الحلّ»، بكونها اولى بشائر خطاب سياسي «انقلابي» قد يستعين به «التيار» لمواجهة الأبواب الموصدة رئاسيا بوجه «الجنرال».
بنظر راصدي هذا المسار، ثمة مؤشرات جدية تدل على أنّ الفريق البرتقالي وضع رجليه على سلّم التصعيد، ليس فقط من خلال التحركات الميدانية، وانما أيضاً في مقاربته للنظام وفي خطابه الذي صار متكئاً الى مفردات «الاستهداف الطائفي» و «تجاوز الميثاقية» و «القفز فوق الصيغة».
أكثر من ذلك، هناك من يرى أنّ «التيار» يتحضّر للانقلاب على ذاته وعلى أسس تكوينه السياسي لينتقل من تيار قادر على مخاطبة كل الشرائح الاجتماعية، الى تيار مسيحي يبحث عن صيغة جديدة تقطع طريق «الاستقواء» عليه من جانب الآخرين.
بالنسبة للمقربين من العماد ميشال عون، «لسنا في وارد التأسيس لخيارات دستورية أو كيانية أو نظامية جديدة. ولكن ثمة مؤشرات تؤكدها الوقائع بأنّ مسار الأمور يتجه بخطوات ثابتة باتجاه نسف ميثاقية الكيان. واذا حصل هذا الأمر فلا يكون «تكتل التغيير والاصلاح» هو الجهة المُتَّهمة، لأنّ أداء الآخرين هو المسؤول عن هذا التدهور والانهيار».
وفق هؤلاء، فإن الصورة الثلاثية الأبعد للهيكل الدستوري تُقَدِّم دليلاً حسيا على هذا المسار: رفض غير مبرر للتعامل مع الرئاسة الأولى وفق القاعدة الميثاقية (الرئيس القوي والأكثر تمثيلا). مجلس نواب ممنوع عليه تجديد عروقه، كما يمنع وضع قانون انتخابي عادل. تفريغ وتشويه لبقية المؤسسات بدءاً من الحكومة وصولاً الى قيادة الجيش، مرورا حتى بالمخاتير، فماذا بقي من الكيان؟
يعودون الى ما سبق وحذّر منه الرئيس نبيه بري حين حمّل رافضي مبدأ سلّة التفاهمات مسؤولية أخذ البلاد الى مؤتمر تأسيسي، وحين ذكّر من سها عن باله أن التمديد لمجلس النواب مرة جديدة لن تُحمد عقباه، ومع ذلك هناك من يصرّ على غضّ النظر عن كل هذه المؤشرات، ويقامر بالنظام و «الطائف».
يؤكدون أنّ خطاب تكتل «التغيير والاصلاح» واضح لا لبس فيه: الحفاظ على الدولة والميثاق و «وثيقة الوفاق الوطني»، والتمسك بحقوق الاعتراض المشروعة…
هذا «النَفَس» المستجد في مفردات العونيين، يضع هذا التيار السياسي عند مفترق طرق: اما أن يتحول الى قوة طائفية تملك حق «الفيتو» كغيرها من القوى الطائفية الحامية للنظام والمحمية بمنظومة مصالحه، أو بلوغ الحائط المسدود، خصوصا أنّ ما يقوم به لا يشبهه ولا يتناغم مع تاريخه ومبادئ قيامته الأولى.
ما يزيد من قناعة غير المتحمسين لـ «الخطاب الطائفي الجديد» أن هكذا مقاربة محكومة بالفشل، لأنها «ارتجالية وغير مبنية على رؤية أو خطة واضحة ومحددة، وإنما هي ناجمة عن ردة فعل فقط».
بالنسبة لهؤلاء، يشكل التلويح بالحاجة الى صيغة جديدة، سواء كانت من قماشة الفدرالية أو غيرها، من دون أن تكون محصّنة، سواء أمام جمهور «التيار» أو غيره من الشرائح السياسية، عامل تهديد لكل ما راكمه «التيار» عبر تاريخه. يقولون إنّ رفع هذه الراية قد لا يدغدغ الا قلة قليلة ليس بمقدورها أن تفصل تطلعاتها المستقبلية عن أحلام الماضي.
هل تكون خطوة «التيار» الجديدة قفزة في المجهول، خصوصا أن ما يرسم للبنان لن يكون بمعزل عما يرسم للمنطقة كلها؟ وهل يحتاج المسيحيون الى من يجرّب مجددا، فيكونون هم ضحايا التجريب خوفا ونزفا وهجرة؟ وهل من يملك أي طرح من هذا القبيل قادر على تنفيذه على الأرض؟