لا جدوى من قراءة البيان المختصر الذي يصدر بعد كل جلسة حوار في عين التينة بين حزب الله وتيار المستقبل. فهو يصاغ بعبقرية اللغة العربية لئلا يقول شيئاً، ولأن عدم صدور بيان يترك مجالاً للأسئلة والتأويلات. ولا أحد يعرف حدود الحوار وهامشه الضيق أكثر من المتحاورين وراعي الحوار. فهم يكررون القول إن الحوار ضرورة وطنية، وسط التحذير من أن غيابه مضرّ. لا بل وسط التصعيد في السجال الذي يبدو كأنه ضرورة اقليمية.
ولكل شيء وقته في لبنان: ساعتان للحوار كل شهر. وساعات كل يوم، باستثناء ساعات النوم، للسجال. وليس على جدول الأعمال في الحوار سوى ما يجب أو يمكن أن يكون على جدول الأعمال في مجلس الوزراء الذي يشارك فيه طرفا الحوار. ولا في السجال ما هو مجرد تعبير عن وجهات نظر سياسية مختلفة.
اذ هو حاد جداً. شيء بالأصالة، وشيء بالوكالة في صراع جيوسياسي بين ايران والسعودية يأخذ، برغم النفي، طابعاً مذهبياً. لا بل ان عنف اللغة السياسية تجعل من السهل أن ينطبق على السجال مبدأ كلازفيتز: استمرار للحرب بوسائل أخرى.
والمفارقة ليست فقط أن الحوار جدي والسجال جدي بل أيضاً أن أياً منهما لا يتأثر بالآخر كأنهما يدوران في فلكين منفصلين. فضلاً عن أن الناس تكيفت معهما، بحيث تتصرف كأن ما تسمعه وتراه هو أداء لدورين: واحد في الكواليس. وآخر على المسرح. فالخائف في الذكرى الأربعين لحرب لبنان من تجدد الحرب يرد عليه المطمئن الى العكس. ومن يعيد الحد الأدنى من الاستقرار الى شيء من الحكمة والحسابات الواقعية لدى الزعامات، يسمع من يركز على حاجة القوى الاقليمية والدولية الى بقاء لبنان خارج الاضطراب والحرب.
ذلك أن أكثر من حادثة أخطر من بوسطة عين الرمانة وقعت من دون أن نذهب الى الحرب. والسبب هو أنه لا وظيفة لحرب في لبنان بعدما اشتعلت المنطقة بالحرائق في حروب سوريا والعراق وليبيا واليمن. والكل في حاجة الى استقرار ما في لبنان من أجل أمور معينة. دمشق تحتاج الى أشياء كثيرة من بيروت. ولكل من طهران والرياض رأسمال مهم في لبنان الذي لاستقراره وظيفة عند أميركا وأوروبا. ثم ماذا عن الدور الاقليمي لحزب الله وعن وجود مليوني لاجئ سوري اذا تجددت حرب لبنان؟
لكن السلام ليس مجرد غياب الحرب. والوطن ليس مساحة جغرافية مملوءة بالبؤس السياسي والاقتصادي والاجتماعي بلا جدية في بناء مشروع الدولة، وحتى من دون رئيس لجمهورية عرجاء.