Site icon IMLebanon

“المرصد الوطني”: هنا قصّرت الدولة في مسارها الإصلاحي… والتطبيقي!

 

في زمن تحلل الدولة وتهاوي هيكلها، ثمة من لا يزال يؤمن بالإدارة الحكومية الرشيدة والطموحة والفاعلة. يحاول الاستفادة من زمن الانهيار “المستقطع” ليراكم بعضاً من التحديث والتطوير على أيدي موظفين يتمسكون بقشّة انتمائهم إلى الملاك الإداري ولو أنّهم، كما غيرهم من اللبنانيين باتوا عراة من أبسط مقومات العيش والصمود. وقد يكونون أكثر من دفعوا ثمن الانهيار. المديرية العامة لرئاسة الحكومة برئاسة القاضي محمود مكيّة، نموذج في الصمود، لم يعد متوفراً.

في توقيت يرفض إلباسه أي عنوان سياسي، أطلق الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي مكيّة ومن داخل السراي الحكومي “المرصد الوطني”، الذي هو بمثابة “منبّهٍ رسميٍ” يحوي رزمة ضخمة من الداتا المجمّعة من مختلف الإدارات الرسمية، ممنهجة بطريقة علمية وتوجيهية، تشكل مجتمعة خريطة طريق يمكن لأي لبناني في موقع رسمي أو غير رسمي أن يستفيد منها، سواء من باب مساءلة الإدارات العامة في تقصيرها أو في تسهيل مهمة الوزارات وأصحاب العلاقة.

فعلاً، هو عمل إداري جبّار قامت به المديرية العامة بالتنسيق مع العديد من الإدارات، وقد تمّ إنجاز المرصد بلا أي هبة أو دعم خارجي، وهو عبارة عن منصّة توثيقية، إصلاحية الطابع، تضمّ كمّاً هائلاً من المعلومات من الفائدة تعميمها وتخضع للتعديل والتحديث المستمر وقد تمّ تبويبها وتجميعها بطريقة تسهّل للجمهور الإطلاع عليها.

وقد قسّمت أبواب المرصد على الشكل الآتي:

– الإصلاحات: هي عبارة عن حزمة من مبادرات وخطوات إصلاحية تستهدف القطاعات كافة، ومنها مثلاً توصيات مؤتمر سيدر، دراسة ماكينزي، وصولاً إلى ما تبنته الحكومات المتعاقبة لا سيما قرار مجلس الوزراء رقم /1/ تاريخ 21/10/2019 (حكومة “إلى العمل”) والقرارات المتعاقبة في “حكومة مواجهة التحديات”. واللافت أنّ المرصد يفنّد الوضعية الحالية لكل إصلاح أي المرحلة التي بلغها، والخطوات التي بوشر بها وتلك المتبقية للتنفيذ، والأهم من ذلك هي آلية تنفيذ الإصلاح بشكل مفصل ومنهجي دقيق.

وقد تضمن هذا القسم 220 بنداً إصلاحياً، لا تزال حبراً على ورق، إمّا لحاجتها إلى مراسيم تطبيقية، أو لقرارات تصدر عن الوزراء المعنيين (قانون حق الوصول إلى المعلومات على سبيل المثال الذي يحتاج إلى قرار من وزير المال لتحديد قيمة وكيفية الاستيفاء).

– النصوص التطبيقية للقوانين النافذة: يتضمن المرصد جدولاً مفصلاً عن هذه النصوص (ذكر القانون وتفصيل الإجراء المطلوب لوضعه موضع التنفيذ من خلال مرسوم أو قرار…) وبيان المرحلة التي آل إليها مسار التنفيذ لا سيما المراسلات ذات الصلة بين الأمانة العامة لمجلس الوزراء والإدارات المعنية.

ويتبيّن أنّ هناك 75 قانوناً لم تصدر نصوصها التطبيقية، 21 منها تنتظر عرضها على مجلس الوزراء و48 تنتظر النصوص التطبيقية من الوزارات المعنية. ومنها على سبيل المثال قانون استخدام المنتجات الطبية لمكافحة كورونا الذي ينتظر وزارتي المال والصحة.

– نقاط الإتصال للوصول إلى المعلومات: ويتضمن لائحة بأسماء وأرقام الهواتف والبريد الإلكتروني لجميع موظفي الإدارات المكلفين النظر في طلبات الحصول على المعلومات.

– اللجان العليا المشتركة والشراكة مع الإتحاد الأوروبي: هي عبارة عن لائحة بمشاريع الإتفاقيات التي لا تزال قيد التفاوض مع الدول التي تجمعنا معها إتفاقية “لجنة عليا مشتركة”؛ إضافة الى جدول بالإتفاقيات ومذكرات التفاهم قيد الإعداد مع الدول العربية التي تجمعنا بها لجان وزارية مشتركة، وآخر يتعلق بالشراكة بين لبنان والإتحاد الأوروبي… وتشير الجداول المرفقة إلى الوضع الحالي للإتفاقيات، الخطوات المتبقية لإستكمال التنفيذ وآلية التنفيذ والإدارات المعنية.

– الأبنية المستأجرة: يتضمن المرصد جدولاً بالمباني المستأجرة كافة من قبل إدارات الدولة الرسمية تبين وجهة إستعمال كل مأجور، حالته، تاريخ بدء الإيجار وقيمة البدلات. وهو أكثر الأقسام إثارة لانتباه الرأي العام. احتاج عرضه حوالى 200 صفحة تظهر تفاصيل الأبنية المستأجرة. لكن المديرية العامة نأت بنفسها عن عرض الكلفة الاجمالية لهذه العقود، ولا حتى مساحتها الكاملة، أو عددها الاجمالي تاركة للرأي العام الخلاصة التقيميية. لكن الجردة السريعة تظهر أنّ الكلفة السنوية قد تصل إلى حدود مليوني دولار و93 مليار ليرة، أي حوالى 60 مليون دولار سنوياً كون عقودها لا تزال على سعر الصرف الرسمي.

– الخصخصة والشراكة: وفيها دليل إرشادي لتطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب تصور أولي حول تعديلات مقترحة على القانون رقم 48 تاريخ 7/9/2017 (تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص) من خلال دراسة مقارنة مع قوانين بلدان أخرى، تجعل منه أكثر فعالية وتلبية لمتطلبات المستثمرين، ولائحة بالمشاريع التي نفذت من قبل المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة وتلك التي هي قيد التنفيذ.

– مشاريع البنى التحتية لمدينة بيروت: يتضمن عرضاً لمجموعة أفكار حول بعض المشاريع الإصلاحية المتعلقة بالبنى التحتية لمدينة بيروت، ووصفاً للوضع الحالي والمشاريع الجاري تنفيذها والخطوات اللازمة لإنجازها.

– حقوق الإنسان: وضع جدول بالإصلاحات المطلوبة على الصعيدين التشريعي والتنفيذي (تفعيل هيئات، إقرار قوانين، إصدار مراسيم، وضع خطط، التصديق على اتفاقيات دولية وغيرها…).

– التنمية المستدامة: هو مشروع تنفيذ أجندة الأمم المتحدة 2030 وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويعرض المرصد أقسام العمل بهذا المشروع، والخطوات المحققة حتى حينه، وتلك اللاحقة، والإجراءات المطلوبة لتحقيقها.

في المحصّلة، فإنّ المرصد هو بمثابة “شحمة” وضعت على “فطيرة” المنظمات والهيئات الدولية الناظرة في المسار الإصلاحي اللبناني، كونه قادراً على تعرية تلكؤ الوزارات والإدارات المعنية وكشف تقصيرها في هذا المجال بعد ترتيب وتبويب كل الداتا التي تحتاجها هذه المنظمات حين ستُسائل الدولة اللبنانية بكافة أجهزتها عما أنجزته في هذا السياق.

ويمكن الاطلاع على شرح تفصيلي عن “المرصد الوطني” عبر الدخول على الرابط الآتي: sg.pcm.gov.lb