صعوبة التوصل الى قانون جديد للانتخابات، او استحالته، تكمن على ما يظهر باصرار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، ورئيس تيار المستقبل، سعد الحريري على عدم التخلي عن نواب من طوائف ومذاهب اخرى، ينتسبون في اكثريتهم الى الطائفة المسيحية. بحجة ان التنوع الطائفي داخل الكتل السياسية، ليس جديداً على لبنان، ولان هذا التنوع يعطي بعداً وطنياً للعيش المشترك الذي انسحب على الحياة السياسية في العهود الاولى للاستقلال منذ عهد الشيخ بشاره الخوري وحتى بداية عهد سليمان فرنجية.
هذه الحجة في ظاهرها صحيحة تماماً، لكنها في مضمونها، وخصوصاً في هذه الايام، بعيدة تماماً عن المفهوم الوطني الذي كان سائداً في تلك العهود، والذي تمزق في خلال الحرب التي شهدت الكثير من القتل وسفك الدماء والتهجير، وخلقت نوعاً من الكانتونات الطائفية، انحصرت فيها الطوائف والمذاهب وابتعدت عن بعضها بعضاً، واقامت بينها سوراً من العداء والكراهية.
عندما كان لبنان في الثلاثينات والاربعينات، وبداية الخمسينات، مقسوماً بين الحزب الدستوري والكتلة الوطنية، توزعت الشخصيات الاسلامية بين الحزبين، ولكن هذه الشخصيات كان لها شخصيتها ونفوذها وشعبيتها، وليست دمى بيد بشاره الخوري او اميل اده، وكان لها تأثير فاعل في قرارات الحزبين، الامر غير المتوفر حالياً، والامر ذاته حصل في عهدي كميل شمعون واللواء فؤاد شهاب، حيث كان «للنهج الشهابي» شخصيات ونواب من الحجم الكبير الفاعل، ولحزب الوطنيين الاحرار ايضاً وكان الى جانب هذين التيارين، احزاب اخرى مستقلة، مثل الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب اللبنانية، وحزب الكتلة الوطنية، وشخصيات سياسية مستقلة، وكانت هذه الاحزاب والشخصيات، ترجح الكفة، اينما مالت، ولكن اليوم، ومع كامل الاحترام والمودة للنواب المسيحيين الذين التحقوا بالحزب الاشتراكي وبتيار المستقبل، وبحزب الله وحركة امل، لم يأخذوا معهم قدرة اسلافهم واستقلاليتهم، ووجودهم، وقواهم الشعبية، فتحولوا الى ارقام ليس الا. وهذا هو الفارق الكبير الاساس بين اليوم والامس.
حالة اليوم، لا تؤمن عيشاً وطنياً آمناً بين المسيحيين والمسلمين، واكبر برهان على ذلك، ان المخلصين للبنان الواحد، «حطوا ايدن على قلبهم»، خوفاً على انهيار المصالحة في الجبل بعد الاختلاف في المواقف بين جنبلاط والتيار الوطني الحر، حتى ان النائب سليمان فرنجية اعتبر ان حقوق المسيحيين تتأمن في حال عاشوا آمنين في مناطق لا يمثلون فيها اكثرية شعبية، فهل هذا هو المستقبل الذي ينتظره اللبنانيون بعد طول غياب ومعاناة وهل الورم في الكتل الطائفية يفيد الحالة الوطنية؟!
***
في سياق متصل، يظهر ان اعلامياً انضم الى الجوقة الاعلامية المكلفة بشن هجمات على التفاهم بين حزبي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، ومحاولة زرع الخلاف والشقاق بين الموارنة من جهة، والارثوذكس والكاثوليك من جهة ثانية، ودق اسفين بينهما بالتأكيد على تهمة ان الحزبين يريدان الغاء الجميع والتفرد بالتمثيل المسيحي، وهو يعرف تماماً ان هذا الامر غير صحيح، ويعرف ايضا ان الاصوات القليلة جداً والتي لا تتجاوز المئات التي نالها النواب المسيحيون في كتلة تيار المستقبل. من ابناء طائفهتهم في حين ان الالوف من الارثوذكس والكاثوليك والسريان وغيرهم، يذهب تأييدهم واصواتهم الى حزبي القوات والتيار الوطني الحر. المؤسف ان هذه السقطة تأتي من شخص ينتمي الى تيار حليف هو تيار المستقبل.