لا بديل من صيغة الشراكة الوطنية في لبنان، مهما قادت الأزمات المستمرة والمصاعب الى البحث في البدائل. ولا خيار يتقدم على إنتخاب رئيس يمثل ويضمن الشراكة الوطنية. لكن إعلان التمسك بالشراكة في باب السجال السياسي يحمل الكثير من التضليل من دون إلتزام “أصول الشراكة” ضمن اللعبة الديمقراطية.
فالإصرار على الشغور الرئاسي هو في الحد الأدنى خروج على أصول الشراكة. وعناد “محور الممانعة” على الرغم من تسليمه علناً بأنه عاجز عن إيصال مرشحه الى القصر الجمهوري هو، لا الإختلاف السياسي، ذهاب الى النهاية في سياسة التعطيل.
ومن أجل ماذا؟ من أجل المجيء برئيس تطمئن إليه المقاومة الإسلامية، بصرف النظر عما يطمئن لبنان وأكثرية شعبه، كأن المقاومة بلد آخر أو كيان خاص “مستقل” عن البلد وأعلى منه. رئيس يؤمن بالسردية التي يبني عليها السيد حسن نصرالله موقفه، وهي حديث “الحصار الأميركي” على لبنان، فيتحدى أميركا أو أقله “لا يطير بنفخة من أميركا”. ومرحباً إتفاقات مع صندوق النقد، ودور العرب والغرب في التعافي المالي والإقتصادي، والدور الأميركي في ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وإنهيار قيمة الليرة بحيث تصبح “كلفة طباعتها أكثر من قيمتها مثل العملة الإيرانية”، على حد التعبير الذي إستخدمه نوري المالكي مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، طالباً منه التعاون مع أميركا للحد من إنهيار الدينار العراقي أمام الدولار لئلا تصبح مثل إيران.
والسؤال هو: الى أين يريد “محور التعطيل” الوصول ما دام لا يملك حلّاً سوى التعطيل أو ملء الشغور بما هو أخطر من التعطيل؟ الدرس الأول من حرب أوكرانيا التي تخوضها مباشرة قوة كبرى نووية هي روسيا، وبشكل غير مباشر قوى “الناتو” هو”محدودية القوة العسكرية”، كما قال الخبير الإستراتيجي لورنس فريدمان. لكن “محور الممانعة” الممتد من إيران الى لبنان يتصرف كأنه لا حدود للقوة العسكرية ولا للقوة السياسية حتى حين تنهار الأوضاع الإقتصادية.
والمكابرة مستمرة. فلا مهرب من “قانون” اسمه حدود القوة بالنسبة الى الطرف الذي يتغنى بفائض القوة. ولا شيء اسمه فائض قوة، في بلد مثل لبنان حيث لا يمكن إستخدام القوة في الداخل. والشراكة الوطنية ليست فرض خيار وحيد، ولا شراكة في إفقار الناس، والدفع نحو هوة بين لبنان وأشقائه العرب وأصدقائه الدوليين، وترك البلد بلا كهرباء ولا ماء ولا دواء ولا غذاء بعد إنفاق 310 مليارات دولار بين 1992 و 2022.
يقول ألكسيس دوتوكفيل: “فكرة خاطئة ولكن واضحة ودقيقة ستكون أكثر قوة من فكرة صحيحة ولكن معقدة”. وهذا مع الأسف، ما يتم تجريبه في لبنان.