كان الهدف من «المؤتمر الوطني للإنقاذ» الذي انعقد يوم الأحد الماضي في فندق «لو رويال» في ضبيه، جمع نحو 500 شخصية – تمثل مختلف «مجموعات الثورة»، من مختلف المناطق اللبنانية – حول برنامج واحد وتوصيات مشتركة. هي المرة الأولى التي يتمكن فيها المنظمون من جمع مختلف النقابات في صالة واحدة من نقابة محامي بيروت والشمال الى نقابة الأطباء في بيروت والشمال الى نقابة المهندسين، ونقابة الممرضين والممرضات، والاتحاد العام لنقابات عمال لبنان، ولجان الأهل في المدارس الخاصة، وأهالي شهداء ومتضرري انفجار المرفأ، والمصروفين من الخدمة، ومتطوعي الدفاع المدني، والأساتذة المتقاعدين وتجمع المحامين للطعن وتعديل قانون الايجارات. وذلك خرق جدّي في نوعية الحضور وقدرة هذا المؤتمر دون غيره على جمع هذا العدد من الشخصيات الفاعلة وذات الطابع المؤثر في مجال عملها. لكن، ما كان يفترض أن يكون «إنجازاً» انتهى بتضارب وحفلة تخوين متبادلة نتيجة «بضعة مراهقين في السياسة»، أرادوا المزايدة بعضهم على بعض، فخلصوا الى الاساءة للقضية التي يدافعون عنها. فقد جرى تقسيم المؤتمر الى خمسة محاور: المحور السياسي، المحور القانوني والتشريعي، المحور الاقتصادي والاجتماعي والإداري، المحور المالي والنقدي، محور تنظيم التحركات. وعند التطرق الى مواضيع السياسة الدفاعية والحياد والقرارات الدولية في المحور السياسي، تم الاتفاق بين الغالبية على القفز فوق البنود الثلاثة لارتباطها أحدها بالآخر، ولأن الوقت لا يسمح بالنقاش مطولاً. تبادل الحاضرون بداية الآراء حول موضوع سلاح المقاومة، وقدم البعض طروحات مختلفة بين مؤيد لبقائه ومن يرغب في تطبيق القرارات الدولية عبر سحب السلاح وحصره بالجيش اللبناني. وتلك ليست مسألة مستجدة، بل لطالما كانت موضوع خلاف بين المجموعات المنبثقة من خلفيات مختلفة، منها اليساري ومنها اليميني ومنها الذي ينتقي ما يعجبه من المعسكرات ليتبناه. جرى نقاش «حضاري» الى حدّ ما بين المختلفين، وهو ما أوصلهم الى فكرة تأجيل البحث به لمناقشة القضايا الملحة والتي تعني الشعب مباشرة في زمن الانهيار. لكن ثمة من أراد المزايدة على حزب الله نفسه لغاية قد تكون انتخابية ربما، فتأبط الميكروفون لاستفزاز من يخالفه الرأي وتهديد الحاضرين بكلام لا يقبل به الحزب حتى. هكذا، «فار دم» أحد شباب المعسكر المناهض وينتمي الى مجموعة بقاعية، فآثر ضرب حامل الميكروفون. دخل رفاق الشابين على خط المعركة، فيما حاول البعض تفريقهم الى أن أخرجوا مفتعلي الاشتباك الى الخارج وتابع المؤتمر إقرار توصياته، علماً بأن منظمي المؤتمر من اليساريين والقوميين المؤمنين بمقاومة العدو الاسرائيلي، وما الهرج المنظم من قبل بعض من يدّعون الحرص على سلاح المقاومة الا ضرب لهذا المؤتمر. ذلك لا يعني طبعاً أن التوصيات الـ26 المقرّة لا تؤكد فقدان «الثورة» بوصلتها ودورانها في حلقة فارغة أقل ما يقال عنها إنها تحصل في عالم موازٍ للعالم الذي نعيش فيه. فالتوصيات تطرقت الى «ضرورة النضال من أجل تحقيق قيام حكومة انتقالية بصلاحيات تشريعية لإنجاز المهام التي رفعتها الانتفاضة، وفي مقدمتها المعالجة الفورية والسريعة للأزمة النقدية والانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي وتداعيات انفجار مرفأ بيروت»، فيما حكومة سعد الحريري على وشك إبصار النور من دون أي اعتراض «ثوري» يذكر، بل تعبيد تام لطريق الحريري الى السراي. يريد المجتمعون «استعادة الأموال المهربة والمنهوبة والهندسات المالية والاملاك البحرية والنهرية» وهم يتفرجون على إسقاط كل أمل لاستعادتها في الحكومة والبرلمان. يريدون استكمال التدقيق المالي الجنائي الذي سبق للسلطة أن أقرّته مفرغاً من مضمونه. يوصون بتطوير البنى التحتية.
أوصى المؤتمر بالانتقال الى الدولة المدنية، ورحّل مسألة الزواج المدني الى اللجان!
لكن كيف سيحصل كل ذلك؟ هل تكبّد أحدهم عناء مطالبة مجلس الإنماء والإعمار بلائحة عن المشاريع التي لُزّمت في السنوات الخمس أو العشر الأخيرة؟ هل ضغطوا لضمان إجراء تدقيق جنائي جدي ومحاسبة حاكم مصرف لبنان أم خبأوا رؤوسهم في كل مرة كان فيها الحاكم محشوراً في الزاوية؟ أين كان هؤلاء يوم حصل الانهيار؟ وهل اختبروا حقاً ما اختبره اللبنانيون خلال العام الماضي من حجز لأموالهم الى إفقارهم في ليلة وضحاها؟ يبدو الأمر سورياليا، أن تجتمع كل هذه النقابات وما يفترض أن يمثل نخبة المجتمع اللبناني ليطلقوا برنامجاً فارغاً ويملأوا صفحات سبق للأحزاب أن ملأت الآلاف منها قبلهم، ولكن مع تمايز بسيط أن بعضها كان يملك برنامجاً حقيقياً ومفصّلاً ولو لنهب الشعب. أما المضحك في ذلك كله، أن يوصي المؤتمر الوطني للإنقاذ بضرورة الإسراع في الانتقال الى الدولة المدنية، ويرحّل في الوقت عينه مسألة الزواج المدني الى اللجان، لأنها موضوع خلاف بين المجموعات! كل ذلك ولم يدخل هؤلاء جنة السلطة بعد.