تتجه إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى تمديد مفعول براءات الذمة التي تمنحها لأصحاب العمل وإعفائهم من رسوم التأخير الواجبة عليهم، بسبب الأوضاع الاقتصادية. وبمعزل عن «منطقية» هذا الإجراء الذي يُلبي مطالب أصحاب العمل في ظلّ الظروف الراهنة، ثمة تساؤلٌ جدّي حول الآلية القانونية المتّبعة للتمديد، وتخوّف من استغلال الظروف الاستثنائية لتكريس آلية غير قانونية تستسهل اتخاذ قرار مهم يرتبط بحرمان الصندوق من السيولة
يجتمع مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، اليوم، في جلسة استثنائية للبحث في الكتاب الصادر عن الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، ويتضمن موافقة استثنائية من رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء على تمديد مفعول براءة الذمة لأصحاب العمل التي ينتهي مفعولها بين 30/9/2019 و28/2/2020.
وكان وزير العمل كميل بو سليمان أرسل الكتاب إلى رئيس مجلس إدارة الصندوق طوبيا زخيا في 20 الجاري، طالباً تطبيق قرار التمديد فوراً.
ومعلوم أنّ قانون الضمان الاجتماعي يفرض على كل صاحب عمل طبيعي أو معنوي، الحصول على براءة ذمة تُثبت تسديده الاشتراكات وسائر المستحقات المالية المتعلّقة بتنفيذ القانون، على أن تُستخدم كمستند يتيح لصاحب العمل القيام بعمليات الاستيراد والتصدير وغيرها.
وبما أنّ طلب تنفيذ قرار التمديد يأتي خلافاً للأصول القانونية التي تحتّم صدور مرسوم من مجلس الوزراء، تثار تساؤلات حول سبب الطلب من إدارة الصندوق الوطني تمديد مفعول براءات الذمة بناءً على كتاب صادر عن الأمين العام لمجلس الوزراء في وقتٍ تصدر فيه عشرات المراسيم الجوّالة (الصيغة التي تعتمد في حالة تصريف الحكومة للأعمال، وهي عبارة عن مراسيم استثنائية موقّعة من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير المال والوزير المُختص).
مصادر مُطّلعة رأت أنّ الالتفاف حول الآلية القانونية لاتخاذ قرار كهذا يُشكّل خطورةً «لجهة إمكانية تكريسه كعرف يقضي بمنح الأمين العام لمجلس الوزراء والوزير المختص، منفرداً، صلاحيات تمديد مفعول براءات الذمة خدمةً لأصحاب العمل».
الجدير ذكره أنّ إدارة الصندوق الوطني سبق أن اتخذت قراراً بشأن تمديد مهل البراءات، وأعدّت بالتعاون مع وزير العمل مشروع مرسوم للمُضيّ في الطريقة القانونية، إلا أن المشروع «لم يسلك» وفق الآلية القانونية، وتم استبداله بصيغة كتاب الأمين العام لمجلس الوزراء. وهذا، بحسب المصادر نفسها، يجعل المخاوف المطروحة مشروعة.
وكان رئيس مصلحة القضايا في الضمان صادق علوية غرّد على «تويتر» منتقداً تمديد المهل عبر «المراسلة»، واصفاً ما يحصل بـ«الخطير». وقد حاولت «الأخبار» التواصل مع علوية للوقوف على التفاصيل، لكنه رفض التعليق.
وتعليقاً على تغريدة علوية، «اعترف» بو سليمان، في تغريدة له أيضاً، بأن «من الأصحّ إصدار مرسوم، لكنني اعتبرت أن المصلحة العليا للناس في هذه الظروف الأليمة وتسهيل الحركة الاقتصادية والتصدير يقتضيان السير بالكتاب الصادر عن مكيّة (…)»، لافتاً إلى أن الموافقة أتت استثنائية إلى حين صدور مشروع المرسوم «الأسبوع المُقبل».
تمديد مفعول براءات الذمة وإعفاء أصحاب العمل من دفع غرامات التأخير من شأنهما حرمان الصندوق من السيولة
كلام بو سليمان هذا يطرح تساؤلاً عن سبب «الاستعجال» في تمديد المهل عبر كتاب مكيّة وليس عبر مشروع مرسوم؟ ولعلّ ما يُعزّز مخاوف «المرتابين» من كتاب مكيّة أنه جاء بعد لقاء عُقد في غرفة التجارة والصناعة ضمّ وزير العمل ورئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس ورئيس غرفة التجارة والصناعة وزير الاتصالات محمد شقير ووزير الدولة لشؤون التكنولوجيا عادل أفيوني، ,كان يهدف إلى المطالبة بتمديد مهل براءات الذمة وإعفاء أصحاب العمل من دفع الغرامات الواجبة من جرّاء التأخير في تسديد الرسوم، إذ يربط هؤلاء بين مساعي هذه الجهات إلى استعجال تمديد المهل وعدم اللجوء الى الآلية القانونية المطلوبة، متخوفين من تكريسها كقاعدة.
الجدير ذكره أن قرار تمديد مفعول براءات الذمة وإعفاء أصحاب العمل من تسديد الرسوم الواجبة على التأخير، من شأنه أن يحرم الصندوق الذي تدين له الدولة بنحو ملياري دولار من السيولة. وفيما يبدو قرار تمديد مفعول البراءات «منطقياً» في ظلّ الأزمة الراهنة، ثمة تساؤلات تُطرح، بمعزل عن قرار مجلس إدارة الصندوق اليوم، حول قدرة الصندوق على تحمّل تبعات هذا التمديد والتأجيل.