IMLebanon

السيادة يجب أن تكون تامّة وناجزة وغير منقوصة وإلّا الفوضى

 

علم السياسة يؤكد لا بل يُشدِّد على مبدأ واضح ألا وهو أنّ الدولة ذات السيادة التامة هي الدولة التي تتمتّع بالسيادة المطلقة والعُليا وحتى السلطة النهائية على أراضيها. ومن المفهوم عموماً أنّ الدولة ذات السيادة المستقلّة هي التي تخضع في شؤونها الداخلية أو الخارجية لرقابة قواها الذاتية لكامل التراب الوطني ولكل المؤسسات الرسمية الشرعية المدنية والعسكرية. إنّ الجمهورية اللبنانية جمهورية معترف بها دولياً ولها قوانينها ودستورها، كما أنّ كل الدول التي تتمتع بالعضوية في منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية تعترف بالجمهورية اللبنانية وبقبولها عضواً في هاتين الجمعيتين العربية والدولية، وبالتالي باتت الجمهورية اللبنانية مُلزمة بتطبيق مندرجات القوانين ذات الصلة بأمورها.

من المفترض على ممارسي السياسة في الجمهورية اللبنانية معرفة أنّ الجمهورية اللبنانية هي شرعية معترف بها دولياً وعربياً وفي المعنى القانوني لسيادتها إنها خاصية من خصائص الدولة والمتمثلّة في حقها المطلق في ممارسة مجموعة من المهام والصلاحيات الداخلية والخارجية دون الخضوع إلى سلطة أخرى تعلوها مضمون السيادة وصفاتها. إنّ مضمون السيادة ملازمة للدولة والتي لا تزول بزوال هذه الخاصية. في الجمهورية اللبنانية وإستناداً للواقع المُعاش منذ إقرار وثيقة الوفاق الوطني هناك تناقض بين مبادئها والممارسة، حيث إنّ السلطات السياسية المتعاقبة مارست سلطتها تحت ضغط سلطة خارجية وبمؤازرة داخلية من مكوّن لبناني يُخالف أبسط القواعد الدستورية وقانون الأحزاب والجمعيات وبات مؤثراً فيها وأفعاله تتعارض مع القانونين اللبناني والدولي كما تُعرقل وتُقيِّد إرادتها ولا حاجة لتفسير الوقائع المُعاشة على صعيد ما تمّ ذكره.

من مسلًمات علم السياسة تلفت مراكز الأبحاث السادة الساسة إحتكار الإختصاص أي بصريح العبارة أنّ سلطة الدولة هي وحدها التي تُمارس أعمالها على كامل التراب الوطني وعلى الشعب دون منافسة من أيٍّ كان، والدليل الحسّي على التناقض الظاهر في الممارسة السياسية اللبنانية بروز مكوّن تعاطى في كل شاردة وواردة في أمور الدولة على كافة الصعد وهذا ما قوّض فعلياً عمل الجمهورية في السنوات الماضية لا بل عطب كل مؤسسات الدولة.

الأمثلة كثيرة ومتشعبة على صعيد عطب السيادة الوطنية وعلى سبيل المثال أغلبية مراكز الأبحاث ومنها مركز PEAC يُشيرون إلى أنّ هناك من كان يحتكر ممارسة الإكراه المادي والمعنوي والعسكري دون منافسة وبطريقة دكتاتورية مخالفة لأبسط قواعد الديمقراطية والقانون اللبناني، كما أنّ هذا المكوّن إحتكر لا بل مارس الضغوط على القضاء في كل مفاصل الدولة وفي عرين وزارة العدل سواء أكان الأمر للخواص أو لصالح دولة إقليمية. كما لا بُـدّ من الإشارة إلى أنّ هذا المكوِّن صادر كل المرافق العامة من معابر برية وبحرية وجوية وتعليم وإتصالات وصحة ودفاع وأمن، وهذا ما جعل الجمهورية غير مستقلة تُمارس سلطتها بطريقة إملائية وتقديرية كما يُراد لها من قبلْ هذا المُكوِّن أي حصر حرية إتخاذ القرارات والتحرك والعمل حسبما يراه ملائماً لمصالحه والخضوع إلى التوجهات الإقليمية المعروفة.

بالإشارة لما تمّ وصفه في جلسات الأمم المتحدة الموّثقة حيث تم التوصيف بما يلي إقتباس «سيادة القانون هي مبدأ للحوكمة يكون فيها جميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات العامة والخاصة بما في ذلك الدولة ذاتها مسؤولين أمام قوانين صادرة علناً، وتطبق على الجميع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل وتتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان… أي 20215». إنّ مفهوم السيادة يقتضي الإلتزام بكافة التدابير الكفيلة بمبادئ سيادة القانون والمساواة أمام القانون والمساءلة أمام القانون والعدل في تطبيق القانون والفصل بين السلطات والمشاركة في صنع القرار واليقين القانوني وتجنُّب التعسُّف والشفافية في الإجراءات القانونية (المرجع: تقرير الأمين العام – سيادة القانون والعدالة الإنتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع S/2004/616).

سيادة الدولة على كامـل ترابها الوطني وخصوصاً في أرض الجنوب ثابتة غير قابلة للجدل، وبالإشارة إلى دخـول الإحتلال الإسرائيلي إليها نتيجة إقحام الدولة بما عُرِف بـ«إستناد غزّة» وهذا أمر ورّط الجمهورية اللبنانية بإحتلال نتج عنه وقف إطلاق النار ألزم كل الأطراف المتنازعة ببنوده منها المعلنة ومنها المستورة ولكنها مجحفة بحق السيادة الوطنية. إنّ سيادة الدولة على كامل التراب الجنوبي ولا سيما ضمن المناطق التي تحتلها إسرائيل هي من حيث آلية البند الأساسي للتحرير وتعود أهميته في القانون الدولي العام إلى إرتباطه الوثيق بمفهوم الدولة السيدة حيث لا بُدّ أن يكون لها نظام قانوني – عسكري شرعي يتوّلى إدارة الوضع الأمني على طرف الحدود مع دولة إسرائيل دون أي شريك أو أي تفسير خارج المنطق القانوني أو ما يُشكّل خطراً على السيادة الداخلية لأرض الجنوب والذي يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالدستور الذي يحمي الشرعية للدولة على ترابها ومن خلال تطبيق قانون الدفاع الوطني الذي يحصر لا بل يؤكد حصرية حماية الوطن بواسطته قوى السلطة الشرعية وحدها.

السيادة يجب أن تكون تامة ناجـزة وغير منقوصة وإلّا الفوضى، وكي تصل الجمهورية اللبنانية بتركيبتها الدستورية الحالية لمعالجة معضلة الإحتلال الإسرائيلي وتنفيذاً لميثاق الأمم المتحدة الذي يشمل على العديد من المبادئ السيادية ولعل المطلوب مرحلياً تنفيذ:

• منع الحرب أو اللجوء إلى تعكير الأمن الداخلي والسلم الأهلي والإقليمي.

• حل معضلة الإحتلال الإسرائيلي بنشر الجيش اللبناني وسائر قوى السلطة الشرعية، وبمؤازرة قوات الأمم المتحدة.

• نزع سلاح حزب الله ومنع أي تنظيم مسلّح على الحدود اللبنانية.

• التشدُّدْ في تطبيق مندرجات القرار 1701 بحذافيره.

• الإلتزام بالسلم على الحدود وبإحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية والتي هي بمثابة الشرعية الدولية.

* كاتب وباحث سياسي