Site icon IMLebanon

المتاجرة بالوحدة الوطنية

 

لا يمرّ يوم إلّا وترتفع فيه أصوات منادية بالوحدة الوطنية، وكأنّ هذه العبارة أصبحت بالنسبة للكثيرين من المسؤولين والسياسيين، تجّار السياسة، «محط كلام»، وللكثيرين من المُحلّلين «المُتكاثرين في لحظات الصخب» مادةً للنقاش، يستخدمونها للتدليل إلى الحاجة للتعاضد الوطني خلال الأوقات العصبية، ولكن، وللأسف، يرفقونها بطروحاتٍ ومواقف تدلّ إلى قناعاتٍ، أبعد ما تكون عن حقيقة وشروط الوحدة الوطنية. فالوحدة التي يقصدونها هي، الوحدة خلف تجاوزاتهم للوحدة الوطنية.

إنطلقت في الأيام القليلة الاخيرة محاولة «خفيفة المستوى، وخفيّة التسوية» تحت عنوان يحمل الكثير من المعاني الرفيعة المستوى «الوحدة الوطنية بحال الاعتداء الاسرائيلي»، ولكن أفقد طارحها قيمتها وأبعدها عن معناها الحقيقي، بمجرّد عدم تضمينها الخطوات الضرورية التي تمنع الاعتداء، وحوّلها خدعة جديدة لخدمة المُتاجرة السياسية، وللتفاوض بين من يخرق الوحدة الوطنية ويرميها في سلّة المهملات ومن أعطاه خطيئة الغطاء مقابل السلطة. «من شبّ على خطيئةٍ شاب عليها» ومن بدأ حياته السياسية بالمُتاجرة بالشعارات، اعتمد التشاطر دائماً منطلقاً لطروحاته، ولذا، يُتاجر الآن بشعار الوحدة الوطنية، لرصّ الصفوف خلف سلاحٍ غير شرعي، مهمته الاساسية العمل لوحدة الساحات بدل الوحدة الوطنية.

من يُقارب الأمور الوطنية اللبنانية من منطلقات المُتاجرة، في زمن اللحظات المصيرية، يُقدّم الوطن سلعةً ثمينة لتغطية حالةٍ شاذّة مُتمثّلة بـ»حزب الله»، المحشور في تلبية استراتيجية محوره «وحدة الساحات» والمُتخلّي اساساً عن استراتيجية «الوحدة الوطنية» والشراكة.

الوحدة الوطنية تعني حياداً، لتجنيب لبنان مخاطر الحرب، وتعني تسليماً للجيش اللبناني الإمرة العسكرية على الحدود وفي الداخل، منعاً للفتنة، وتعني اصطفافاً خلف الجيش الوطني، بإبعاد الحسابات السلطوية عن دوره وعن قيادته، وتعني الامتناع عن مهاجمته وتشويه دوره وعمله تسهيلاً لتقديمه «على طبق من فضّة» لمحور المُمانعة لاستخدامه آلة قمع، عند انتهاء الحرب الاقليمية الحالية، ضدّ المنتفضين بوجه مشروعه ونفاقه. إنّ الوحدة التي يسعون لها تحت القمع والضغط والتخوين، تصبّ في صالح استراتيجيتهم للتعتيم على مسرحياتهم التي سقطت، وانكشف أمرها.

إنّ الوحدة الوطنية الحقيقية، هي تكوين جبهة مناقضة تماماً لجبهة استمرار الدويلة، إمّا تعريض الجيش لخطر الاضعاف والتفكّك، فهو النقيض الاكيد للوحدة الوطنية والاقرب للخيانة بها. وفعلياً، الوحدة الوطنية هي التموضع المُعاكس تماماً لوحدة الساحات، إمّا الوسطية في هذه المعركة، فتآمر مع وحدة الساحات، وتسهيلاً لها، ومُتاجرةً معها، والوحدة الوطنية الحقيقية، لا تتأمن الّا بانتفاضةٍ صادقةٍ لصالح بناء السيادة الوطنية الكاملة الطبيعية، ومن دون استثناءاتٍ.

قرّرت المُمانعة، كما المُتاجرين معها، تحويل لبنان إلى واقع سياسي، شبيه بأنظمة وحدة الـ99% الزائفة من التأييد الشعبي للسلطات، التي شهدتها الانسانية في القرون الماضية، وما بقي منها الا القليل والنادر، ومنها ايران الثورية، فقرّر أفرقاء المُمانعة اللبنانيون، المنتمون لمحور النظام الايراني، أنّ افضل خطوط الدفاع عن انفسهم، أمام انكشاف أمر خداعهم وفسادهم وفشلهم، تأسيس نظام قمعي، بمظلّةٍ أمنية وقضائية. فهل يُدرك كل من يُعارض هذه المُمانعة أنّ الوقت قد حان للانكباب على العمل الجدّي، تمتيناً للوحدة الوطنية ضدّ وحدة الساحات، وهل أدرك البعض المتردّد أنّ التخاذل في هذه المعركة، انتحار؟

مُناصرو المُتاجرة بالوحدة الوطنية، يستميتون لفرض شروطهم الخاصة بمشاريعهم على الشعب اللبناني، فهل مناصرو الوحدة الوطنية الحقيقية، لديهم الاستعداد لخوض هذا النضال المصيري، انقاذاً للبنان؟

(*) عضو تكتل «الجمهورية القوية»