سيظلّ التّاريخ يعيد نفسه، الفرس أو إيران سيظلّو يعيدون دور الدولة الصفويّة مرّة واثنتين وثلاث، وليس ما نكابده منذ عاد الخميني بحماية المخابرات الأميركيّة والفرنسيّة إلى هرا إلى لإحاء دولة صفويّة هي الأشرس عبر تاريخ الفرس الشيعة، والأكثر زعزعة لمقومات البلاد العربيّة “المسلمو السُنيّة” تحديداً، من قال إن التاريخ لا يعيد نفسه، إنّه يعيد نفسه في كلّ فترة من الزّمن وإن تغيّرت الوجوه والصيغ يبقى القصد هو القصد!
في العام 1555 العام الذي قتل فيه سليمان القانوني إبنه البكر مصطفى لتواطئه على أبيه مع شاه الفرس، جاءت سفيرةٌ من الشّاه طهماسب تطلب الصّلح، فوافق السّلطان سليمان، وجرت بين الفريقيْن مفاوضاتٌ قادتْ في النهاية إلى اتِّفاقٍ تمَّ التوقيع عليه في أماسيا في 29 مايو 1555م؛ ولذلك عُرِفَ بـ”سلام أماسيا Peace of Amasya”، لم تكن هناك مفاجآتٌ في الاتفاق؛ بل عاديًّا ومتوقَّعًا، ويمكن تلخيصه في أن الوضع تقريبًا ظلَّ على ما هو عليه، مع وقف الحرب بين الطرفين.
رُسِمَتْ في هذه الاتفاقيَّة الحدودُ بين الدولتيْن، وكانت النتيجة هي اقتسام عدَّة أقاليم مناصفةً بينهما، فأخذت الدولة العثمانيّة النصف الغربي من أرمينيا، وچورچيا، وكردستان؛ بينما أخذت الدولة الصفويّة الأجزاء الشرقية من هذه الأقاليم، واحتفظت الدولة العثمانيّة بالعراق؛ بينما احتفظت الدولة الصفويّة بأذربيچان، بالإضافة إلى كلِّ الولايات والمدن الإيرانيّة في الغرب بما فيها تبريز واعتُبرت مدينة قارص المهمَّة على الحياد، ودُمِّرت قلعتها كي لا تُستخدم من أحد الطرفين.
وهنا تنبّهوا وضعوا أسطراً كثيرة تحت هذا النصّ الذي جاء في هذه الاتفاقيّة، فقد اتُّفِق في المعاهدة على أن يكفَّ الشاه وأتباعه عن سَبِّ الخلفاء الراشدين الثلاثة الأُوَل؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، وكذلك يكفُّون عن سَبِّ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وعن سَبِّ سائر الصحابة. وإن المرء ليعجب أن يكون هذا الفعل المُنكر من الدولة الصفوية شائعًا لدرجة أنّه يُدْرَج بهذه الصورة في معاهدةٍ سياسيَّةٍ عسكريَّة، كما أنه يلفت النظر إلى حميَّة الدولة العثمانيَّة الإسلاميَّة، وغيرتها على رموز السّلف الصالح، واهتمامها بتوثيق ذلك في معاهدةٍ رسميَّة. ويرى البعضهم أنّ هذا البند في المعاهدة كان مُذِلًّا للشاه الإيراني؛ لأنه يتعارض مع عقيدته، ولا ينسجم مع حملته المستمرَّة التي تهدف إلى تشييع السُّنَّة؛ ولكن ضغط الحرب العثمانيّة قاده إلى الموافقة عليه!
تستوقفني كلمة “الوحدة الوطنية” كلّما تردّدت على الألسنة هذه الأيام، قبل الوحدة الوطنيّة، علينا أن نسأل: هل هناك في الأصل “وحدة إسلاميّة”؟ والعياذ بالله الكتب مملوءة بما يصيب المسلم بنفور واكتئاب شديديْن!! يشكّل الفرس على الأمّة الخطر الأكبر، إذ ثمّة عقائد ترسم خطوطاً حمراء تُعيق أي وحدة طالما الذي في الكتب باقٍ في الكتب وفي القلوب، تقوم عقيدتهم كذلك، على سَبّ الصحابة رضوان الله عليهم، وتكفيرهم وبُغضهم ولَعنهم واتهامهم بالفسق والضلال، وبخاصةٍ الخلفاء الثلاثة (أبو بكر وعمر وعثمان) وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن الزبير والزبير بن العوّام وأبو عبيدة بن الجرّاح وخالد بن الوليد.. ويزعمون أنّ الصحابة -رضوان الله عليهم- قد ارتدّوا عن الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا نفراً قليلاً منهم.
سأكتفي بهذا القدر، لا أريد أن أفسد على قلبي صفاءه، أقول فقط هؤلاء هم الفرس وتابعيهم إن اقتربوا من الهزيمة سارعوا إلى المسكنة، وإن حالفهم نصر سارعوا إلى البطش والاستقواء، ولكن الله أعلم بحالهم ويشهد الله كم مرّة كتبنا في هذا الهامش عن تقيّتهم هذه، فاحذرواولا تمكّنهم من الدّولة مرّة جديدة وتمسّكوا بتطبيق القراريْن 1559 والـ 1701 ، غير هذا سيفترسون البلد والشعب من جديد!