لا يمكن فصلُ ملف الانتخابات النيابية في الكورة إن حصلت، عن بقية أقضية الشمال المسيحية، لكن لا تقارَن بأقضية جبل لبنان لأنّ عدداً من القوى الموجودة على أرضها إما لها إرتباطات شمالية أو تتخطى الحدود لتصل الى «القوميّة».
لم تكن الكورة يوماً ذات هوية سياسيّة واحدة، إذ إنها تجمَع معظم الأحزاب والطوائف والمذاهب بنسب مختلفة. فاذا إعتُمِد المعيار الجغرافي يُلاحَظ أنه تمّ فصل بلدتي شكا المارونية وضمّها الى البترون، والقلمون السنّية وضمّها الى طرابلس لكي تكون الكورة الخضراء ذات غالبية أرثوذكسية، لكن رغم ذلك بقي تأثير الموارنة والسنّة موجوداً بمقدار كبير، إضافة الى أقلية شيعية وعلوية.
في الكورة هناك 3 مقاعد أرثوذكسية، واللافت كان الاهتمام الذي أعطته «القوات اللبنانية» لهذا القضاء الذي هو بمثابة بوابة بشري وممرّ إلزامي للبشرانيّين في اتجاه طرابلس وبيروت، ومن المتعارَف عليه أن الكورة تضمّ 3 قوى انتخابية كبيرة تملك قوّة تجييرية وهي: «القوات اللبنانية»، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري ومعه تيار «المستقبل»، والحزب «القومي السوري الاجتماعي».
لتليها قوى أخرى مثل «التيار الوطني الحر»، تيار «المردة» والنائب نقولا غصن الذي لديه مؤيّدون في القضاء وهو يُعتبر من البيوتات السياسية التقليدية ووريث النائب الراحل فؤاد غصن الذي كان زعيم المنطقة.
واللافت في الكورة أيضاً، أنّ النائب «القواتي» فادي كرم الذي إنتخب في 15 تموز 2012، يُعتبر من النواب القلائل، أو ربما الوحيد، في الأقضية البعيدة من العاصمة الذي لم تغرّه «النمرة الزرقاء»، فيسكن منطقته ولا يغادرها إلّا وقت الجلسات النيابية ويتابع سياستها موفّقاً بين البيانات النارية التي يطلقها في فترات المواجهة، وبين الخدمات ومحاولة إختراق حصون «القوميين» وخصوصاً في بلدته أميون عاصمة القضاء، في وقت وفّر عليه تفاهم «القوات» و«التيار الوطني الحرّ» مهمة جذب العونيين الى صفوف «القوات».
أسئلةٌ كثيرة تُطرح في الكورة ولعلّ أبرزها كيف سيترجَم تفاهم «القوات» و«التيار»؟ ففي حال لم يتوسّع ليشمل قوى أخرى فهل تأخذ «القوات» المقعد الثاني في القضاء في حال قرّر مكاري عدم الترشح مجدّداً؟ ومن جهة أخرى يحرص كرم ومعه «القوات» على ثني مكاري عن إعتزاله النيابة، في حين أنّ «التيار» وعلى لسان رئيسه الوزير جبران باسيل أوحى السبت الماضي من أنفة أنه يريد مكاري حليفاً «ومن الضروري التفاهم معه».
لكنّ القضية الأكبر تبقى موقع الحزب «القومي» الذي كان وما زال حليف «التيار»، فمع تحالف «القوات» و«التيار» هناك معضلة جدّية، فإذا تخلّى «التيار» عن حليفه خسر عدداً كبيراً من الأصوات، وإذا لم تُحلّ مشكلة «القوات» و«القوميين» فذلك يعني أن لا تحالف ثلاثياً بين هذه القوى.
الجديد على خط انتخابات الكورة هو إعلان عدد من قيادات القوميين في الكورة في مجالسهم الخاصة أنهم لا يمانعون من التحالف مع «القوات»، لكنّ هذا الأمر لا يحصل فجأة، فعلى رغم الخلاف العقائدي لكن «يمكننا الاتفاق على أمور داخلية».
ويؤكّد هؤلاء القوميون وجوب تهيئة الظروف للتحالف مع «القوات» منذ الآن لكي تتقبّل القاعدة الشعبية للحزبين هذا الأمر، فلا يمكن محو خلاف سنوات بأيام وإنزال التحالف بـ«الباراشوت».
ويستند أصحاب هذه النظرية من القوميين لتبرير أيّ تحالف مستقبلي مع «القوات» على أمور عدة، منها كوراني محلّي إذ إنّ تحالفاً كهذا يضمن لهم مقعداً نيابياً ويؤمّن فوز اللائحة في سهولة، ومن جهة ثانية يقولون «إننا نعيش مرحلة مصالحات كبيرة، فـ«القوات» تصالحت مع «التيار» بعد مرحلة طويلة من الخلاف الدموي والسياسي، وتيار «المستقبل» رشّح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية وانتخبه، والكتائب تصالحت مع تيار «المردة» بعد تاريخ دموي كبير بلغ ذروته في مجزرة إهدن عام 1978، و«القوّات» و«حزب الله» رشّحا عون، وهناك حديث عن إمكان حصول حوار بينهما، و»الكل يتصالح مع الكل»، إذاً لا شيءَ يمنع من حصول تحالف إنتخابي كهذا مع «القوات».
لم يصدر حتى الساعة موقف رسمي عن قيادة الحزب «القومي» تعلن فيه استعدادها التحالف مع «القوات»، خصوصاً أنّ مثل هذا الأمر يترك مفاعيل، ليس في الكورة فقط، بل في أقضية أخرى، كذلك يجب انتظار موقف «القوات» من هذا الطرح. في حين يتمّ الحديث عن أنّ «التيار» هو القادر على جمع حلفائه الأضداد، وقد يكون السيناريو الأقرب الى الواقع هو تحييد «أصوات» القوميين في الكورة من الدخول في مواجهة لائحة التحالف المسيحي في حال لم يكن لهم مرشح فيها، مقابل تعويضهم عنه في مناطق أخرى يكون حجم التنافر فيها أقل.
الثابت حتى الآن من ناحية «القوات» هو ترشيح كرم لولاية جديدة، في حين أنّ منسّق الشمال في «التيار الوطني الحرّ» وابن بلدة كفرعقا جورج عطالله هو عملياً مرشح «التيار». وفي هذه الأثناء يُبقي إصرار مكاري العزوف عن الترشح وعدم حسم تحالف «التيار» و«القوات» إسم مرشحهما الثالث بازارَ الأسماء مفتوحاً بعدما كسرت الجرة بين «المردة» و«التيار»، علماً أنّ البعض يتوقع أن يكون الإسم الثالث على لائحة «القوات» و«التيار» إذا قرّر مكاري والنائب غصن عدم الترشّح، من بلدة كوسبا التي تُعتبر عاصمة النيابة والزعامة في الكورة.