لا شك ان الاحزاب العلمانية، والعاملة خارج القيد الطائفي في الجبل اصابها «الوهن» و«التراجع» وغابت الى حدّ بعيد عن مسرح الحياة السياسية في الجبل، لعدّة عوامل لكن ابرزها حسب مصادر قريبة من هذه الاحزاب للـثلاثة عوامل اساسية:
1- حرب الجبل والانتصار الذي حققه النائب وليد جنبلاط التاريخي وبدعم سوري لا محدود، ورغم انجازاته الوطنية الكبيرة على صعيد البلد. لكن التهجير المسيحي الشامل من قرى الجبل اثر على الاحزاب الوطنية التي لم تستطيع حماية كوادرها الشيوعية والقومية وحتى الاشتراكية من النزوح، رغم مشاركة البعض من هؤلاء في العمليات العسكرية الى جانب الاحزاب، وهذا ما أدى الى انقسام طائفي «مقيت» في الجبل لن تنتهي «ذيوله» قريباً رغم المصالحات التي يحكى عنها، وسيادة مفهوم عند مسيحيي الجبل ان التطرف «يحميهم» وكذلك «الطائفة» وليس وهم الاحزاب الوطنية. وبالتالي لم يخرج الانتصار الوطني لحرب الجبل عن مفهومه الطائفي لدى المسيحيين.
2- جعلت حرب الجبل جنبلاط اللاعب الاساسي في البلد و«بيضة القبان» منذ تلك المرحلة وليس الآن، واصبح يملك الحل والربط، واعطي ما لم يعط اي زعيم آخر، ومن الطبيعي ان ينعكس هذا الدور على الاحزاب الوطنية في الجبل التي انحازت قياداتها في الجبل الى خياراتها الدرزية على حساب مركزية احزابها وغادرتها دون رجعة، والامثلة كثيرة، وتولى قيادات هذه الاحزاب مناصب «وزارية» في الادارة المدنية حتى ان بعضهم حاول اخذ كل الحزب الى تحت «العباءة الجنبلاطية» وقد قابل جنبلاط نهج هؤلاء بالايجابية نفسها واعطاهم كأي «اشتراكي» ولم يعزل احداً او يضع «فيتو» على احد، وشهدت تلك المرحلة «هجرة» لقيادات حزبية شيوعية وقومية، وللمنتسبين للمنظمات الفلسطينية الى الاشتراكي، جراء نتائج حرب الجبل.
3- الانقسامات داخل الاحزاب الوطنية وضياعها في تلك المرحلة حيث توزعت قياداتها بين الاشتراكي وحركة امل، واصبح الاستقطاب طائفيا وليس وطنيا، حرمت هذه الاحزاب من اي شيء، وجاء الطائف ليبعدها عن «نعمة» الحياة السياسية، وبالتالي انحاز رؤساء الاحزاب وحتى المسيحيون منهم لبري او جنبلاط، وبالتالي غادرت كل «الرموز الدرزية» في الاحزاب الوطنية مواقعها وبعضها انكفأ والاخرون انحازوا الى جنبلاط واصبحوا جزءاً من «الادارة المدنية» والامثلة كثيرة ومعروفة.
وحسب المصادر، غاب الحزبين الشيوعي والقومي وانكفآ بقرار ذاتي عن الجبل رغم الوجود التاريخي للحزبين في معظم قرى الجبل، واقتصر النشاط على احتفال من هنا وندوة من هناك.
وحسب المصادر، حاولت الاحزاب استعادة النشاط، وقام الشيوعيون بمحاولات «خجولة» لم يكتب لها النجاح، نتيجة اوضاع الحزب الشيوعي، اما الحزب السوري القومي الاجتماعي فتحسنت «صورته» خلال السنوات الماضية، وتطور نسبياً في المرحلة الحالية عبر استعادة جزء من الدور المفقود.
واللافت ان الحزب القومي اتخذ سلسلة اجراءات في الجبل تقول المصادر نفسها عبر توحيد العمل و«الامرة» واسندت المسؤوليات الى المندوب السياسي المركزي حسام العسراوي وتم تشكيل هيئات قيادية في كل مناطق الجبل «الشوف – عاليه – المتن» بدأت بالعمل والانفتاح على كل مكونات الطيف السياسي والديني الدرزي والمسيحي.
وتتابع المصادر «استطاع القومي وعبر قيادته الجبلية الحالية من تطبيع العلاقة مع «الاشتراكي» وتحديداً مع وليد جنبلاط الذي اشاد بنهج الحزب القومي في اكثر من مناسبة، كما فتح القومي خيوط تواصل مع شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن. وهذا الانفتاح يكاد ينجز للمرة الاولى في ظل مفهوم سائد بأن القوميين هم حلفاء «اليزبكيين» ومع الشيخ «اليزبكي» لانهم من جذور «يزبكية» بالاساس.
وحسب المصادر «استطاعت القيادة القومية الجديدة في الجبل الظهور للدروز عامة وللمراجع الدينية خصوصا، «ان القوميين عامل وحدة في الجبل وليسوا عامل انقسام، او اداة بأيدي احد، وان أمن الجبل واستقراره هو مصلحة للقوميين اولا، وبالتالي استطاعت القيادة الجديدة ازالة الاعتقاد السائد بأن قوميي الجبل تحركهم ايادي خارجية واخر همهم الوضع الدرزي.
وتتابع المصادر «ان انجازات القيادة الجديدة ترجم على الارض، خلال الاحتفال المركزي بذكرى تأسيس «القومي» في عاليه، حيث حضر الاحتفال في جمعية الرسالة الاجتماعية كل الاطياف السياسية عبروفد مركزي من الاشتراكي تقدمه الوزير اكرم شهيب الذي وقف الى جانب قيادة القومي بالاستقبال، كما حضر وفد مركزي من حزب الله برئاسة مسؤول جبل لبنان الحاج بلال داغر ووفد من حركة امل بالاضافة الى ممثلين لشيخي العقل نعيم حسن ونصر الدين الغريب، واللافت حضور مسؤولي المناطق في الاشتراكي وكذلك الشيوعي والحزبين الديموقراطي اللبناني والتوحيد العربي.
وتشير المصادر الى ان الانفتاح القومي على الصعيد الدرزي قابله انفتاح على الصعيد المسيحي وان كان التنسيق محصوراً بالتيار الوطني الحر فقط مقابل قطيعة شاملة مع الكتائب والقوات اللبنانية نتيجة الاعتبارات التي تحكم العلاقة بين الحزبين، اما على الصعيد الشيعي فالود قائم ومعروف واستراتيجي.
وتختم المصادر بالتأكيد ان الظروف الان مهيأة للقومي لاستعادة دوره الكامل مع كل الاحزاب الاخرى، حتى ان «الحجة» التي استخدمت احيانا لتبرير التقصير عند الجميع، بأن الاشتراكي يمنع اي نشاط ويعرقله سقطت كليا الان، حيث يدعو جنبلاط الاحزاب لاستعادة دورها مؤكداً ان التنوع عامل «غنى» للحياة السياسية وان «التنوع» هو البديل عن «النهج الطائفي» وما تنظيم القومي الاحتفال في قلب مدينة عاليه وبترحيب اشتراكي الا تأكيد ان الطريق مفتوحة امام هذه الاحزاب للعودة وللقيام «بنقد ذاتي» لكل المرحلة السابقة والبدء بتنفيذ خطة جديدة، والطريق «مهيأة» والساحة تتسع للجميع، الا اذا كانت الازمات «الذاتية» للاحزاب تعرقل استعادة زمام الامور ولو بالحد الادنى، والايام القادمة هي التي «تحكم» على حركة القومي اذا كانت بداية مسار جديد، او «فورة» تنتهي بعد أشهر، لكن الساحة مهيأة وقابلة لعمل وطني جامع خارج الاطر الطائفية ووراثة هذا الزعيم أو ذاك.