Site icon IMLebanon

الجنسية للأم اللبنانية: موسم جديد للبازار السياسي

  

 

في عز الانغماس بمشكلات الموازنة والاضرابات التي تشل الوضع الداخلي، وعلى غرار كثير من الملفات التي تطرح في غير اوانها، جاء طرح الهيئة الوطنية لشؤون المرأة مشروع قانون اعطاء الجنسية لاولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من اجنبي، ليضيف الى المواضيع المثيرة للجدل العقيم في لبنان، مادة اضافية، في توقيت يبدو غير ملائم للجهة السياسية التي «تنتمي» إليها رئيسة الهيئة.

المفارقة تتعدى التوقيت، المترافق مع الاعداد لصفقة القرن والمخاوف من توطين الفلسطينيين وابقاء السوريين النازحين، اذا انه انه يطرح اشكالية حول منحى يتعلق بنسف كل ما تعمل عليه وتقرره الحكومات السابقة. لا الحكم استمرارية، ولا ملفات الحكومات السابقة وقرارت لجانها تبقى سائدة. فكل عهد ينسف ما قبله، وكل طرف سياسي ينقلب على مقررات سابقة ويطرح قوانين ومشاريع سبق واقرت أو رفضت، من اجل ملاءمتها مع تطلعات سياسية او شخصية. فتيار المستقبل كان ايضا وعد بتقديم مشروع يسمح للام اللبنانية بمنح جنسيتها لأبنائها.

بصرف النظر عن الخلفيات الإنسانية للطرح الحالي، يفترض التذكير بأن التيار الوطني الحر الذي قدم رئيسه جبران باسيل اقتراحا العام الماضي يتعلق بمنح الأم اللبنانية جنسيتها لزوجها وأبنائها، ما عدا المتزوجات من بلاد الجوار، كان شارك عام 2012 في اللجنة الوزارية التي كلفتها الحكومة درس هذا الملف، وقدم التيار جوابا رافضا لمنح الجنسية في شكلها المقترح. تألفت اللجنة من ممثلين عن كافة الافرقاء السياسيين، وشارك عن تكتل التغيير والاصلاح رجلا قانون هما شكيب قرطباوي وسليم جريصاتي. وقد رفضت اللجنة بالاجماع تعديل قانون الجنسية، واكدت حق الدولة اللبنانية بـ«وضع القيود التي تحدد مداها لاكتساب غير اللبنانيين الجنسية اللبنانية، (…) لاسيما إذا كان اكتساب الجنسية يتعارض مع مبدأ رفض التوطين (المرأة اللبنانية المتزوجة من فلسطيني) أو يخل بصورة فاضحة بالتوازن الديموغرافي أو يزيده تفاقماً، على ما حصل في مرسوم التجنيس لعام 1994 والذي لم يجد بعد سبيلاً إلى التصحيح بالرغم من التجاوزات والاخطاء الكثيفة الواردة فيه». وهي من المرات النادرة التي تعترف بها حكومة بأخطاء المرسوم الذي لم يصحح.

لفتت اللجنة الى الاتفاقية الدولية التي أبرمها لبنان للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتحفّظ مجلس النواب عن بعض نصوص هذه الاتفاقية ومنها البند 2 من المادة 9 الذي يتعلق بمنح المرأة حقاً متساوياً مع حق الرجل في ما يتعلق بجنسية أولادها، والى اجتهاد المجلس الدستوري بأن «مبدأ المساواة الذي يتمتع بالقوة الدستورية لا يُعمل به عند وجود أوضاع قانونية مختلفة لا يصح معها أعمال المساواة أو عندما تقضي بذلك مصلحة عليا (…) ويحق للمشرع اللبناني أن يحول دون تملك الفلسطينيين حقوقاً عينيه عقارية في لبنان، بحجة أن هذا التملك يتعارض مع سياسة الدولة العليا في رفض التوطين المكرس في الفقرة ط من مقدمة الدستور».

مع رفضها التعديل، اقرت اللجنة منح أولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي الحقوق المدنية للمواطنين اللبنانيين، دون الحقوق السياسية، مقترحة اجراءات مدنية كمنح إقامة دائمة من دون بدَل مالي، عوضاً عن سمة المجاملة، وكالحق بالتعليم والانتساب إلى المدارس والجامعات والعمل في القطاعات الخاصة (لا القطاع العام) والحق في الطبابة والاستشفاء في القطاع الصحي العام والخاص والاستفادة من تقديمات وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

اللافت في عمل اللجنة آنذاك انها استندت، إضافة الى نصوص واجتهادات دستورية، الى احصاءات وزارة الداخلية، وهي الجهة الرسمية المخولة، سواء عبر المديريات المختصة او الاجهزة الامنية، وبررت الاعداد (التي اعترضت عليها جمعيات نسائية حينها)، رفض المشروع لانه اظهر حجم المتغيرات الديموغرافية التي ستنشأ عن منح الجنسية. ونشرت تعداد المتزوجات من أجانب منذ عام 1947 وحتى عام 2012، واعداد المتزوجات من فلسطينيين، علما ان الزواج من فلسطينيين كان الابرز حينها، وذُكر موضوع التوطين استنادا الى هذا الشق. منذ عام 2012، دخل عامل زواج اللبنانيات من سوريين على خط ازمة الجنسية، وحتى الان لا تعطي اي جهة رسمية احصاء دقيقا عن عددهن، وتختلف التقديرات بحسب الجهات الرافضة او المؤيدة لحق المرأة إعطاء الجنسية لأبنائها. علما ان احصاء الداخلية ذكر أن الأرقام هي للزيجات المسجلة فقط، وهذا ينطبق ايضا على الزواج من سوريين. ولا يمكن في ظل التجاذب السياسي الراهن فصل الحالتين إحداهما عن الأخرى، نظرا الى تطور الاوضاع الديموغرافية في السنوات السبع الماضية، وتطور السجال حول النزوح السوري وانعكاساته السياسية والاجتماعية منذ عام 2012. وعلى الاقل ينبغي استكمال معطيات الداخلية السابقة، واجراء مسح شامل ودقيق حول الاعداد وتطورها، لانه من دون احصاء دقيق وعلمي، لا يمكن بناء اي مشروع من دونه، فكيف اذا كان بحجم قضية حساسة وشائكة، لانها تصبح فقط مادة للبازار السياسي كما هو حاصل اليوم. فرئيسة لجنة شؤون المرأة، كلودين عون، في الخط السياسي نفسه الذي يرفض مشروعها. وبعد أيام على تقديمها الاقتراح إلى رئيس الحكومة، خرج الوزير باسيل ليذكّر باقتراحه الذي يستثني المتزوجات من دول الجوار من حق منح الجنسية لأبنائهن. فما الذي ستحققه خطوة عون إذا كان أول رفض رسمي لمشروعها صدر من أهل البيت؟