IMLebanon

«الناتو» في عامه الـ75: 6 تحديات جِسام

 

 

 

إختتمت الخميس الماضي اجتماعات حلف شمال الأطلسي المُنعقدة في واشنطن، والذي احتفلَ، في حضور الدول الأعضاء وعددهم 32، بالعام الـ75 لتأسيسه. وهو يعتبر أقوى منصة دولية سياسية وعسكرية للمعسكر الغربي بعد الحرب العالمية الثانية. الا أنه يواجه 6 تحديات واستحقاقات كبيرة البعض منها خارجية تُحاكي تصاعد المعسكر المقابل وزيادة العوامل التنافسية والمزاحمة على الساحة الدولية، والبعض الآخر داخلي لعدم انسجام الدول الأعضاء كافة في توجّه فكري واحد نظراً للاختلاف في الظروف والقدرات والتحالفات والأولويات.

أبرز هذه التحديات الست على طاولة البحث في الدورة الحالية:

 

 

ـ أولاً: التوترات مع روسيا: تعتبر الحرب الروسية ـ الأوكرانية من أبرز التحديات التي تواجه دول «الناتو» في الفترة الحالية ومنذ ثلاثة أعوام على اندلاعها. وإن كانت أوكرانيا ليست من الدول الأعضاء في الحلف الا أن الجميع يتفق أن هذه الحرب هي أكبر وأحدث مشهد للنزاع بين المعسكر الشرقي المتمثّل بروسيا وحلفائها من جهة والمعسكر الغربي المتمثّل بالولايات المتحدة ودول «الناتو» من جهة أخرى، خصوصاً أن الشعار الذي رفعه القادة الروس منذ اليوم الأول لما سمّي العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا هو للحَد من نفوذ الغرب ومنع دخول حلف «الناتو» الى أوكرانيا، وإبقائه بعيداً عن الخاصرة الروسية.

 

اذاً الحرب في أوكرانيا والعين على «الناتو»، وهذا التنافس يظهر جلياً بوضوح في جورجيا التي تشهد نزاعا سياسيا حاليا يشبه النزاع الذي مرّت به أوكرانيا عام 2014 في سباقٍ حاد الى السلطة بين معسكرين سياسيين داخليين أحدهما يميل الى الغرب وأوروبا، والآخر لا يميل الى الشرق تدعمه موسكو. وهذا النزاع ينطبق على دول عدة في أوروبا الشرقية بنسب متفاوتة.

 

ـ ثانياً: الإرهاب: انّ نمو الظاهرات المتطرفة في الشرق الأوسط خلال العقد الفائت، وانتقال هذا الفكر من خلال مدارس سياسية من حول العالم وانتقال المهاجرين بكثافة بسبب النزاعات في بعض الدول، جعلَ من مجال «الناتو» أرضاً وهدفاً للأعمال الإرهابية التي لا تخلو من أفكار الدونية والنقمة على الموروثات الصليبية، وأيضاً لاتهام هذه الدول بتراجع الدعم عن المجموعات الإرهابية المتطرفة ممّا وقفَ عائقاً أمام انتصار مشروعها في كثير من الدول، مثل العراق وسوريا، وزرعَ في نفوس المُنتمين إليها جماعات منظمة أو عناصر تُدعى «ذئاباً منفردة»، زرعَ في نفوسهم الكراهية وروح الانتقام. وهذا يظهر من خلال عمليات أمنية من الحين الى الآخر تطاول عواصم بعض دول حلف «الناتو» الى جانب عمليات يقوم بها أفراد يتبنّون الأفكار اليمينية المتطرفة أيضاً، حيث دَوّن «معهد واشنطن للدراسات» إحصائية عن العام 2022 تشير الى أنّه من كل 6 هجمات إرهابية فردية هناك 4 لمهاجرين من أصول اسلاموية و 2 لمواطنين من حملة الأفكار اليمينية المعادية للمهاجرين العرب المسلمين والأفارقة.

 

 

ثالثاً: الأمن السيبراني: انّ الدول المناهضة سياسياً لتوجهات «الناتو» في تصاعد وتَنام دائم وسريع للقدرات التكنولوجية والحروب السيبرانية، الا أنها ليست المصدر الوحيد للتهديد الذي يواجهه الناتو. بل انّ التهديد الأخطر يكمن في الهجمات التي تتعرض لها الدول الأعضاء من المنظمات غير الحكومية التي تستهدف البنية التحتية الحيوية للدول، فتطاول البرامج والأجهزة الحكومية وتهدد انتظام عملها وسرية البيانات والمعلومات، كذلك تطاول المؤسسات الخاصة في القطاعين العام والخاص كالمطارات وشركات الكهرباء والخدمات والشركات التجارية العملاقة العابرة للقارات.

 

ـ رابعاً: التباينات في الانفاق الدفاعي: غيّرت دول كثيرة سياساتها الانفاقية وعدّلت في أولوية موازناتها، خصوصاً بعد الأزمة الحادة التي ضربت قطاعات الإنتاج والدخل القومي خلال جائحة كورونا، ممّا أثّر سلباً على اندفاع الدول في المساهمة المالية لتعزيز القدرات الدفاعية لحلف الناتو وسط ازدياد التحديات العسكرية حول العالم، الأمر الذي يتطلب مزيداً من الاستعداد والإنتاج العسكري، وبالتالي مزيدا من التمويل في ظل مرحلة تحمل كثيراً من الأعباء الاقتصادية في ظل الضغوط والركود والتضخم في معظم دول الحلف، ما خلقَ نوعاً من التململ وانعدام الانسيابية والديمومة في الانفاق. والدعم ظهرَ في التهرّب من إمداد أوكرانيا أخيراً بالسلاح على رغم من كل التصريحات التي تؤكد ضرورة دعمها والوقوف الى جانبها، وآخر هذه المواقف ما جاء في البيان الختامي الذي أذاعَه الأمين العام للحلف من «أن دعم أوكرانيا في حربها أولوية لدول الحلف وأن هزيمتها أمام روسيا ممنوعة».

 

 

الّا أن تلك المواقف لا تعني بالضرورة موافقة الحكومات على زيادة الانفاق العسكري في سبيل تأمين هذا الدعم، خصوصا في ظل التحديات الداخلية والمعارضة الشرسة التي تتعرض لها هذه الحكومات التي تدعوها شعوبها للعودة الى الداخل والكَف عن هَدر أموال الضرائب في دعم حروب خارجية على حساب الاقتصادات الوطنية والخدمات الحكومية للمواطن الآخِذة في التراجع بحجّة الوباء وانخفاض الإنتاج وتَعثّر العجلة الاقتصادية وتقلّص الدخل القومي في كل الدول.

 

ـ خامساً: التوترات الداخلية: ملفات عدة تَقف عائقاً أمام الانسجام الكلي بين دول الأعضاء في حلف «الناتو». ومنها، عدا الانفاق الدفاعي الذي ذكرناه آنفاً، السياسات الخارجية. ليست كل الدول متفقة على الموقف وطريقة التعامل مع روسيا والصين التحدي الأبرز للدول الأعضاء، إذ تقف بعض الدول على الحياد والبعض الآخر لديها مواقف ونقاط ايجابية في التعاطي معهما، وذلك يعود الى تنامي الدور السياسي والاقتصادي لكل من روسيا والصين ونظراً للتفاوت في الأولويات والمصالح خصوصاً في التجارة والاقتصاد بين دولة وأخرى حتى داخل الحلف الواحد. وأبزر وجوه هذا التوتر فَرض أميركا تعريفات جمركية على البضائع الأوروبية في السنوات الأخيرة ممّا أثار ردود فعل سلبية لدول الاتحاد الأوروبي.

 

 

كما يشكّل التغيّر الدائم في القيادات السياسية عنصرا مهما من وجوه عدم الاستقرار في العلاقة بين دول الأعضاء، اذ انّ المتغيرات الدائمة والسريعة في الديموقراطيات الحديثة تشكّل، على عكس الأنظمة التي تقلّ فيها وجوه التناوب على السلطة خصوصاً في رأس الهرم القيادي مثل روسيا، عاملَ تغيير دائم وتعديل في الأولويات والنظرة السياسية الى التعاطي مع الحلفاء وتبديل دائم في رسم الخطوط العريضة للسياسات الخارجية. كما انّ تَعَرّض بعض الدول الأعضاء لانتقادات في مواضيع الحريات وحقوق الانسان يشكل عاملاً من عوامل الخلاف والتوتر الدائم بين أعضاء الحلف، وأفضل مثل على هذه الحال العلاقة الجدلية مع تركيا التي تواجه دائما مشكلات من هذا النوع تعوق الى الآن انضمامها الى الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال.

 

ـ سادساً: صعود الصين: يعتبر من أبرز التحديات التي تواجه «الناتو» في دوراته الأخيرة وهي مدار جهد وبحث دائم حول طريقة مواجهة هذا التحدي أو احتوائه أو التأقلم معه وسط عدم اتفاق على رؤية موحدة لمواجهته، حيث تعتبره الولايات المتحدة أولوية مطلقة فيما تراه الدول الأوروبية أقل أهمية على المستوى العسكري، الا أنه يشكّل التهديد الأبرز على المستوى الاقتصادي وفتح الأسواق، وكمُشْتَر بارز للطاقة الروسية التي تعوق الضغوط على روسيا وتفشل سياسات العقوبات وسقف الأسعار التي حاولت الدول الأوروبية فرضها على موسكو، بينما ترى دول أخرى من داخل الحلف الأطلسي أنّ الصين وكذلك روسيا يمكن أن يكونا شريكين استراتيجيين ضروريين في المستقبل، ولا ترى أنّ النزاع مع هذا الطرف يؤمّن السلام والاستقرار على الساحة الدولية.