IMLebanon

حلف الـ«ناتو».. تصعيد أم تحذير؟

التهديد الأكبر الذي تواجهه دول حلف شمال الأطلسي لا يتعلق بروسيا بقدر ما يتعلق بالشرق الأوسط٬ وبالفوضى التي خلقت أزمة اللاجئين وولدت شبكات كبيرة للاتجار بالبشر ممولة تمويلاً جيًدا. ويتسبب هذا التهديد في مقتل البشر في الوقت الراهن٬ ليس فقط في سوريا والعراق٬ بل أيًضا في الغرب٬ من خلال هجمات إرهابية وقوارب متهالكة ببحر إيجه. بيد أن حلف الـ«ناتو» لم يفعل شيًئا لمجابهة تلك التهديدات. والـ«ناتو» كمنظمة لا يشارك في أي من العمليات الموجهة ضد «داعش»٬ وعلى الرغم من إرساله قوة بحرية لبحر إيجه٬ فإنه لا يلعب دوًرا نشًطا بشكل خاص هناك.

وعوًضا عن ذلك٬ يجد الـ«ناتو» أنه من السهل أن يودع الأوقات التي كان يتوجب عليه فيها «الخروج من منطقة ما أو التوقف عن عمل ما»٬ وأن ينصب جل تركيزه مرة أخرى في أهداف عهد الحرب الباردة في مواجهة روسيا٬ وسيكون هذا هو الفريق المركزي في قمة وارسو.

وعلى الرغم من أن أوكرانيا٬ التي يلقى فيها الناس حتفهم أيًضا في صراع يتم بتحريض من روسيا٬ فإنها سوف تحظى ببعض الاهتمام في القمة٬ وإن كان الـ«ناتو» لن يتدخل هناك أيًضا٬ إذ إنه في عام ٬2015 لم يخصص الـ«ناتو» سوى 3.5 مليون يورو (9.5 مليون دولار أميركي) من أجل مساعدة أوكرانيا٬ ومن غير الوارد تغيير هذه القيمة العام الحالي٬ نظًرا لغياب الإدارة السياسية في واشنطن.

ليس من الواضح لماذا ستهاجم روسيا دول البلطيق بالطريقة التي هاجمت بها أوكرانيا. ومن وجهة نظر الكرملين٬ فإن الانقلاب في كييف شكل تهديًدا على القاعدة البحرية الروسية في شبه جزيرة القرم٬ لذلك تحركت روسيا لتحتلها٬ ومن الصعب أن نتخيل سيناريو مشابًها في دول بحر البلطيق.

ومن ناحية أخرى٬ لا يسهل التنبؤ بنيات الرئيس بوتين٬ فضلاً على أنه لم يفصح عن خططه٬ ومن الخطأ تجاهل مخاوف الدول الأعضاء المعرضة للخطر عسكرًيا٬ لا سيما أنهم الآن يسعون إلى رفع الإنفاق العسكري إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي٬ حسبما يتطلب الـ«ناتو». وأعلنت لاتفيا التزامها بتحقيق ذلك بحلول عام ٬2018 وليتوانيا بحلول عام 2018 .أما دولة إستونيا صغيرة المساحة فقد وصلت بالفعل إلى ذلك المستوى المحدد.

ومن المعروف سلًفا أن الـ«ناتو» سوف ينشر «4 كتائب قوية ومتعددة الجنسيات في إستونيا ولاتفيا وبولندا٬ على أن تتنقل بالتناوب». ولاُيعد هذا سوى فتات لدول البلطيق٬ كما كتب جورج بنانز في المجلس الأطلسي أخيًرا:

وفي الواقع٬ فإن الأربع كتائب ليست حتى برد فعل مناسب على الفرق العسكرية الثلاث الجديدة (نحو 000.30 جندي) التي أعلنت روسيا نشرها في يناير (كانون الثاني) الماضي بالمنطقة العسكرية الغربية. وفي أحسن الأحوال٬ فإن نشر حلف الناتو 4 كتائبُيعد خطوة إضافية لتعزيز الردع٬ وإن كانت لا ترقى لتغيير المعادلة في موسكو. وفي أسوأ الأحوال٬ فهذا لا يعني سوى دليل أمام بوتين على ضعف الـ(ناتو) الشديد وانقسامه.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوة تثير قلق الكرملين حيال محاولة الـ(ناتو) إدماج فنلندا والسويد في عضويته٬ اللتين من المقرر أن تحضرا القمة من أجل مناقشة التعاون في مواجهة تزايد الإصرار الروسي٬ وربما أيًضا في حالة وقوع هجوم. فضلاً على وجود احتمالية كبيرة لقيام روسيا برد فعل غير متكافئ٬ إذا وضعنا في عين الاعتبار تصريحات بوتين التي أدلى بها في وقت سابق من هذا الشهر خلال زيارته إلى فنلندا وقال فيها: «تم الإعلان أن قوى حلف شمال الأطلسي سُتعزز في دول البلطيق٬ كما ُوصفت تحركات القوات داخل أراضينا كتصرف عدواني. بينما لمُيجر اعتبار التدريبات العسكرية للـ(ناتو) قُرب حدودنا بالمثل لسبب ما. وإذ نعتبر ذلك أمًرا غير منصف على الإطلاق ويناقض الواقع٬ ونتساءل ماذاُيفترض بنا أن نفعل في مواجهة وجود الـ(ناتو) على حدودنا»؟

ومن ثم٬ يبدو أن الطرفين يخوضان لعبة تصعيد٬ إذ يقول كل طرف إن تصرفه رد فعل على تصرف الطرف الآخر٬ ومن ثم يزداد التوتر بصرف النظر عمن هو المحق.

*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»