اللبنانيون الذين «لطعهم» الحليب باتوا يخافون اللبن، لذلك، نراهم يستعجلون تشكيل الحكومة. أصلاً هذا واجب وضرورة، ولكننا مازلنا ضمن الوقت المعقول جداً، فلم نبلغ، بعد، الأسبوعين على التكليف… وهو توقيت من ضمن المهلة التقريبية التي كانت سائدة حتى قبل إتفاق الطائف، وما ترتب على تشكيل الحكومات في السنوات العشر الأخيرة من إستنزاف الوقت بما يتجاوز المعقول.
الذين يطرحون تعديل الدستور لسدّ «ثغرات فاقعة» فيه، يضعون الزام الرئيس المكلّف بوقت يراوح بين شهر وستة أسابيع للتشكيل في طليعة أولوياتهم، ويقول هؤلاء إن اقتراحهم هذا لا علاقة له، من قريب أو بعيد، بالخلفية الطائفية التي تتحكم بأي إقتراح أو موقف أو حتى قرار في لبنان. فالجماعات كلها لا تنطلق إلاّ من قاعدة طائفية بل ومذهبية، أمّا علماء الدستور فيقولون إنّ البلدان كلّها تلزم الرئيس المكلف بمهلة للتشكيل وإلا فالإعتذار وإعادة آلية الإستشارات فالتكليف مجدّداً.
وهذه النظرية، على أهميتها وجدواها، لا يمكن تطبيقها في لبنان، ففي الأنظمة الديكتاتورية المسألة محسومة، وهو ما عرفناه خلال زمن الوصاية السورية.. فكان يكفي أن يقرر «المندوب السامي» في البوريفاج، ثم في عنجر حتى تنتهي المسألة… ومن يعجبه يعجبه، ومن لا يعجبه فليضرب الحائط برأسه. وفي الأنظمة الديموقراطية المسألة هي أيضاً في غاية البساطة (عموماً) لأنّ هناك أكثرية تشكل الحكومة، تقابلها أقلية تعارض، وقلنا «عموماً» لأن ثمة استثناءات لافتة مثل إيطاليا وبلجيكا، خصوصاً الأخيرة حيث يستغرق تشكيل الحكومة سنة وأكثر، وفي مرات عديدة.
أما عندنا فنحن «ديموقراطية مزاجية»، أو أقله هي ديموقراطية غير شكل، فلا هي استبدادية ولا هي ديكتاتورية، ولا هي برلمانية… إذ انّ مراعاة البعض هنا والوقوف على خاطر شأن البعض هناك والتخوف من ردود فعل البعض الثالث هنالك من شأنها أن تقيم نظاماً فريداً نزعم، نحن اللبنانيين، أنه الديموقراطية التوافقية… ولكن للتوافق حدوداً هي حدود المصلحة الوطنية العليا.
نعود فنؤكد أن دولة الرئيس سعد الحريري لايزال في البداية الطبيعية لعملية التشكيل التي يفترض أنها ستنتهي بولادة، هي ايضاً، ستكون طبيعية للحكومة.
وأمّا الذين اعتادوا أن ينتظروا (في الحكومات الأخيرة) ما بين ستة أشهر وأحد عشر شهراً، فلا يضيرهم أن ينتظروا بضعة عشر يوماً.. ثم تأتي الحكومة التي كائناً ما كان سيكون شكلها فهي (كما قلنا منذ اليوم الأول للمشاورات) لن تكون حكومة العهد الأولى… كون هذه ستأتي بعد الإنتخابات النيابية المقبلة.