كان بعد ناقص اللبنانيين توطين النازحين السوريين عملا بتوجه الاسرة الدولية التي عبر الامين العام للامم المتحدة بان كي مون عن رغبتها بتجنيس النازحين في خطوة متقدمة لحل الازمة السورية. والمقصود في هذا المجلس ليس لبنان وحده بل كل الدول ذات العلاقة بالنزوح السوري، اي الاردن وتركيا والعراق، عملا بما حصل مع عدد من الدول الاوروبية التي استضافت الالاف من السوريين، من غير حاجة الى المقارنة بين الاعداد المتواجدة في لبنان واولئك الذين نقلوا الى الغرب من دون ان يعني ذلك سوى تخليص سوريي الداخل من مشكلة الهجرة القسرية جراء الحرب؟!
صحيح ان اللبنانيين قد اجمعوا على رفض تجنيس السوريين النازحين لكن الصحيح ايضا ان الفكرة من اساسها تعني الاستعداد الغربي لتفجير الوضع اللبناني الداخلي، حيث لا يعقل ان يتم تذويب زهاء مليون ونصف نازح سوري في بلد لا يتعدى تعداد سكانه ثلاثة ملايين نسمة، فضلا عن وجود زهاء نصف مليوم لاجئ فلسطيني يغص لبنان بهم منذ خمسينات القرن الماضي، وهؤلاء يعانون الامرين نتيجة وقف المساعدات الدولية عنهم لاعتبارات من الصعب الاخذ بها، باستثناء الضغط على لبنان حتى ولو اقتضى الامر تفجير اوضاعنا الداخلية، نظرا لحاجة هؤلاء اللاجئين الى كل شيء تقريبا (…)
هل يكون تلويح بان كي مون بطلب تجنيس النازحين السوريين مقدمة لوقف المساعدات المخصصة لهم، مع ما يعنيه ذلك من تفجير مرتقب للحال العامة، طالما ان لبنان غير قادر على تأمين ما يحتاجه هؤلاء، في حال توقفت المساعدات الدولية عنهم، وهذا غير مستبعد لمجرد الشعور العالمي ان الخلاص من نظام بشار الاسد يتطلب التضحية بلبنان وسواه، خصوصا عند الحديث عن ضرورة تذويب النازحين ومعهم اللاجئين الفلسطينيين في المجتمعات اللبنانية المتنافرة اصلا كما هو معروف؟
من حيث المبدأ، ثمة من يجزم من السفراء الاجانب بأن خطوة تجنيس النازحين لا بد منها، في حال اراد لبنان الاستمرار الموقف في تأمين المساعدات الانسانية الملحة له. لكن ذلك لن يبقى على ما هو عليه في حال كان الرفض اللبناني حاسما، اضف الى ذلك ان المطالبة الدولية بتشغيل اللاجئين والنازحين، بما في ذلك تعليم ابنائهم في مدارس لبنان على رغم حاجة اللبنانيين ابناء هذا البلد الى من يشغلهم قياسا على حال النزوح الشبابي التي يعانون منها، وهذا لا يكفي وحده لرفض المطالبة الدولية بالتوطين التي اعرب عنها الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بصريح العبارة.
لذا، على اللبنانيين جميع اللبنانيين، الاستعداد لتقبل اي قرار دولي لا يصب بالضرورة لمصلحتهم في حال اصروا على رفض تجنيس النازحين من السوريين، بما في ذلك اللاجئين الفلسطينيين حيث لا بد من اغراق هذا البلد في اقوى من المشاكل المصيرية المؤهلة لاشعال حرب اثبات وجود، في حال تعذرت اجراءات منع التوطين، لان الاسرة الدولية في حال اصرت على ذلك تكون قد غسلت يديها من الأزمة اللبنانية المرتقبة في حدود تفتيت لبنان في حال تطلبت الخطوة المؤدية لذلك.
من هنا لا بد من حراك لبناني رسمي وسياسي وشعبي يعلن رفض تجنيس السوريين بما في ذلك توطين الفلسطينيين من غير حاجة الى انتظار مفاجات عملية من جانب العالم الغربي تقضي بعكس كل ما فيه مصلحة لبنان، مع الاخذ في الاعتبار ضرورة مراجعة الاشقاء العرب كي لا تصل الامور الى حد المؤامرة الدولية الشبيهة بمؤامرة سايس – بيكو الاوروبية بعد الحرب العالمية الاولى التي قسمت المنطقة الى مناطق نفوذ بين بريطانيا وفرنسا، بما في ذلك زرع اسرائيل في هذه المنطقة من العالم، الى حد ترك المنطقة في صراع دائم لتعزيز استقرارها؟!
الى اين يمكن الوصول بفكرة بان كي مون لتجنيس النازحين السوريين؟ متتبعو التطورات يجزمون بأن الامر جدي ومن واجب اللبنانيين التحسب لكل ما من شأنه ان يحقق المؤامرة التي تستهدف وحدتهم ومصيرهم، لاسيما ان ما هو مكتوب في القرارات الدولية يحتاج الى من يفهم فيه كي لا تتطور الامور باتجاه الاسوأ، طالما ان الازمة السورية مستمرة حتى اشعار اخر وليس من بوسعه الكلام على حل للحرب هناك بمعزل عما هو مخطط له لسوريا والمنطقة ككل؟!