لم يبق سوى أربعة أيام قبل أن ينطلق اختبار قدرة القوى السياسية التقليدية أو التغييرية التي تخوض المنازلة الانتخابية على توضيح تحالفاتها.
إقفال باب الترشح يفرض عليها تكثيف الجهد من أجل تركيب اللوائح التي عليها تعبئة الناخبين لاجتذاب أصواتهم.
حتى يوم الثلاثاء المقبل، العنصر الوحيد الواضح هو تحالف الثنائي الشيعي مع «التيار الوطني الحر»، مع إصرار «حزب الله» على فعل كل شيء من أجل التقليل من خسائر حليفه جبران باسيل، ومن أجل الإفادة من انكفاء تيار «المستقبل» لحصد بعض المقاعد على الساحة السنية، والإبقاء على الأكثرية لمصلحته، في مواجهة اتساع رقعة الاعتراض الشعبي على استتباعه لبنان للمحور الإيراني، وتصاعد الضغوط الأميركية عليه، أو للإفادة من أي اتفاق أميركي إيراني في فيينا لتكريس رجحان نفوذه في القرار السياسي.
أما القوى الأخرى فإن اتفاقها على التحالف أو على الافتراق، ما زال خاضعاً للكثير من الغموض والتجاذب، وقد يحفّزها ضيق الوقت بين 15 آذار و15 أيار على بلورة ما تنويه، لتتجاوز تباين تقديراتها لاستعداداتها وقدراتها الانتخابية والأحجام التي تتوخّاها في البرلمان الجديد.
كما أن القوى التغييرية ومجموعات الحراك الشعبي هي أمام امتحان إثبات جديّتها وقدرتها على التوحّد. فهذه المجموعات التي يصل عددها على الأراضي اللبنانية إلى المئات يحتاج تعاونها الانتخابي إلى جهد كبير وخبرات واسعة وصدر واسع وواقعية في الأهداف إزاء الاستحقاق الانتخابي. وهي أمام الامتحان مثل القوى السياسية الأخرى.
فهل هي تعتبر الانتخابات محطة تعبوية وسياسية في سياق نضال بعيد المدى، بصرف النظر عن عدد النواب الذين تنوي إيصالهم إلى الندوة النيابية، أم هي مناسبة لعرض برامجها واجتذاب الجمهور إليها من أجل مواصلة حراكها بعد الانتخابات (إذا كانت واثقة من قدرتها على تحريك الشارع مجدداً)، أم أنها على رغم قانون الانتخاب الحالي، تريد إثبات حجمها الشعبي عبر إيصال أكبر عدد ممكن من النواب لتشكيل كتلة معارضة ترفع صوت أكثرية اللبنانيين في إحدى المؤسسات الدستورية، ليكون لها رأيها في تشكيل الحكومات وتسمية من يرأسها وانتخاب رئيس جديد للجمهورية في تشرين الأول المقبل وفق مقاييس مختلفة عن الأداء الحالي، وفي الرقابة وفي التشريعات المطلوبة لخطط التعافي الاقتصادي، بعيداً من منطق الطبقة السياسية بالمحاصصة والفساد والزبائنية والنفعية، التي ساهمت في إنزال البلد في الحفرة التي هو فيها؟
لكل من الأهداف الثلاثة حساباته في السلوك الانتخابي والتحضيرات له. وبعض هذه المجموعات ربما يفتقد إلى الخبرة في التعاطي مع استحقاق كهذا. وربما كان بعض رموزها حديث التجربة في عقد التحالفات وصوغ التسويات التي تقود إلى الهدف، من دون أن يحبسها شعار «كلن يعني كلن» في شرنقة الأوهام حول القدرة على إسقاط الطبقة السياسية برمتها. وإلى أن يتم الاختبار في صندوق الاقتراع، فإن الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات ستكون تحدياً لقوى الانتفاضة.
قد يتطلب إعلان السفير السابق في الأمم المتحدة، القاضي في محكمة العدل الدولية نواف سلام قراره عدم الترشح، التوقف عند بعض تبريراته، بعد مطالبته من قبل رموز الحراك الشعبي بالمشاركة في المنازلة الانتخابية. فإشارته إلى أن همه الحؤول دون «الصراعات الصغيرة أو الشهيّات الكبيرة» التي تمنع «من يُفترض أن يلتقوا ويتعاونوا في عمل مشترك»، إيحاء إلى ما يحكى عن تشتت بعض قوى الثورة إمّا جراء التنافس على حجز مقاعد أو بسبب اختلاف في الرؤية السياسية. كما أنه إيحاء إلى أنه يحجم عن خوض الانتخابات على رغم أن الجانب المتعلق بانتمائه العائلي والبيروتي التقليدي يؤهله للإقبال على هذه المغامرة (في ظل ما تردد عن أن رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة دعاه إلى ذلك)، فإنه على الأرجح، يتجنب أن يصنف بأنه مرشح جزء من المنظومة السياسية.
سياسياً يصوب البيان السجال حول اختلاف الأولويات عند بعض رموز المجتمع المدني (وحتى القوى التقليدية) بين من يعطي الأولوية للإصلاح، ومن يركز على السيادة وسلاح «حزب الله»، فيشدد على أن تلازم «الإصلاح واستعادة السيادة مسار لا يجوز اختصاره بمحطة الانتخابات المقبلة وحدها…»
وفي بيان عزوف سلام عبرة بأن نتائج هذه الانتخابات «لا يمكن إلا أن تبقى دون حقيقة الإرادة الشعبية، لأنها تجري على أساس قانون هجين فصّله مهندسوه من أهل السلطة على قياس مصالحهم ولخدمة أهدافهم»، ما يعني أن جهداً فعلياً يفترض أن يُبذل لتغيير هذا القانون، في إطار إصلاح يحتاج ما سماه «بناء كتلة تاريخية قوية وعابرة للمناطق والطوائف، قادرة على حمله وتحقيق النهوض». فهل في حسابات من يخوضون الاستحقاق قيام جبهة من هذا النوع؟